والقول الثاني : في تعيين أصحاب الأعراف أنهم الأنبياء أجلسهم الله على أعالي ذلك السور تمييزاً لهم عن سائر أهل القيامة ليكونوا مشرفين على أهل الجنة، وأهل النار مطلعين على أحوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم شاهدين على أممهم، وعلى هذا فقوله :﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ حال من مفعول نادوا وهو أصحاب الجنة ؛ لأن طمع دخول الجنة لا يليق بأشراف أهل الموقف، أي نادى أشراف أهل الموقف وهم على الأعراف أصحاب الجنة حال كون أصحابها لم يدخلوها وهم طامعون في دخولها، وكذا التقدير في سائر الوجوه الآتية المرادة بها أهل الدرجات العالية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
والقول الثالث : هم الشهداء الذين يميزون من بين أهل الموقف بالاستحقاق لمزيد التعظيم والإجلاس في أعالي السور المضروب ليشاهدوا حكم الله تعالى في أهل الموقف بمقتضى فضله وعدله.
والرابع : هم أفاضل المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس، وفي الحديث :"إذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل؟ فيقوم أناس وهم يسيرون فينطلقون سراعاً إلى الجنة، فيقولون : نحن أهل الفضل فيقال لهم ما كان فضلكم؟ فيقولون : كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا غفرنا، وإذا جهل علينا حلمنا، فيقال لهم : ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين".
والخامس : قوم صالحون فقهاء علماء، وذلك لمزيتهم على غيرهم بشرف الفقه والعلم.
والسادس : هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة.
والسابع : هم العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين رضي الله عنهم يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه.
والثامن : أنهم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار عبر عنهم باسم الرجال
١٦٧
لكونهم يرون في صورة الرجال، كما عبر به عن الجن في قوله تعالى :﴿وَأَنَّه كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الانسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ (الجن : ٦) لكونهم في صورة الرجال يقولون حين أشرفوا على أهل النار، ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين لأنهم مكلفون كبني آدم فلا ينكر أن يدعوا الله لأنفسهم بالأمن.
والتاسع : هم الشهداء الذين خرجوا إلى الغزو وغزوا في سبيل الله بغير إذن آبائهم فقتلوا شهداء، فأعتقوا من النار بأن قتلوا في سبيل الله واحتبسوا عن الجنة بعصيانهم آباءهم.
والعاشر : قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم أو أمهاتهم دون آبائهم.
والحادي عشر : إنهم أولاد الزنى.
والثاني عشر : أولاد المشركين.
والثالث عشر : هم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم وزمان الفترة هو الزمان الذي بين عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما.
والرابع عشر : هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا، فوقفوا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في مقابلة صغائرهم.
والخامس عشر : هم الذين ذكرهم الله في القرآن أصحاب الذنوب العظام من أهل القبلة.
روي عن بعض الصالحين أنه قال أخذتني ذات ليلة سنة فنمت فرأيت في منامي كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضي بهم إلى الجنة، وقوم يمضي بهم إلى النار قال فأتيت إلى الجنة، فناديت يا أهل الجنة بماذا نلتم سكنى الجنان في محل الرضوان؟ فقالوا لي : بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان، ثم أتيت إلى باب النار فناديت يا أهل النار بماذا نلتم النار؟ قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمن، قال : فنظرت فإذا بقوم موقوفون بين الجنة والنار فقلت : ما بالكم موقوفون بين الجنة والنار؟ فقالوا : لنا ذنوب جلّت وحسنات قلّت فالسيئات منعتنا من دخول الجنة والحسنات منعتنا من دخول النار وأنشدوا :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
نحن قوم لنا ذنوب كبار
منعتنا من الوصول إليه
تركتنا مذ بذبين حيارى
أمسكتنا عن القدوم عليه
هذا ما تيسر لي جمعه من الأقوال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.