والإشارة أن بين أهل النار وأهل الجنة حجاباً وهو من أوصاف البشرية والأخلاق الذميمة النفسانية، فلا يرى أهل النار أهل الجنة من وراء ذلك الحجاب وبين أهل الجنة، وأهل الله وهم أصحاب الأعراف حجاباً وهو من الأصاف الخلقية والأخلاق الحميدة الروحانية، فلا يرى أهل الجنة أهل الله من وراء ذلك الحجاب كما قال الله تعالى :﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌا وَعَلَى الاعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ﴾ يعني : أصحاب الأعراف يعرفون أهل الجنة والنار بما يتوسمون في سيماهم من آثار نور القلب وظلمته، وسميت الأعراف أعرافاً لأنها مواطن أهل المعرفة وإنما سمى الله أهل المعرفة رجالاً لأنهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال في النساء ولا يتصرف فيهم شيء منه كقوله :﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الأحزاب : ٢٣) وحيث ما ذكر الله الخواص ذكرهم برجال كقوله :﴿رِجَالٌ صَدَقُوا﴾ (الأحزاب : ٢٣) وكقوله :﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ (التوبة : ١٠٨) لأن وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية في طلب الحق وعلو الهمة فإن أصحاب الأعراف بعلو هممهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان وما التفتوا إلى نعيم الدارين، وما ركنوا إلى كمالات المنزلين حتى عبروا عن المكونات وأقاموا على الأعراف
١٦٨
وهي مرتبة فوق الجنان في حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرفون على أهل الجنة والنار فلما رأوا أهل الجنة وأنهم في شغل فاكهون.
قد شغلوا بنعيمها عن المولى ﴿وَنَادَوْا أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ﴾ يعنيّ هنيئاً لكم ما أنتم فيه من النعيم المقيم والحور والقصور ثم أخبر عن همة أصحاب الأعراف فقال :﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ أي : شاهدوا نعيم الجنة ودرجاتها ولم يركنوا إلى شيء منها فعبروا عليها، ولم يدخلوها وهم على الأعراف يطمعون في الوصول إلى الله والدخول في الجنة التي أضافها الله تعالى إلى نفسه بقوله :﴿وَادْخُلِى جَنَّتِى﴾ (الفجر : ٣٠) ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَـابِ النَّارِ﴾ ابتلاء ليريهم أنه تعالى من أية دركة خلصهم وبأية كرامة خصهم فيعرفوا قدر ما أنعم الله عليهم به ومن هذا القبيل يكون ما سنح لأرباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما ابتلاهم بشيء من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والأنس مع الله في الخلوات ففي أداء حق الشكر ورؤية النعمة.
﴿قَالُوا﴾ مع المنعم ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ أي : بعد أن خلصتنا من أوصافهم وأخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة أخرى من جهتهم، ولا تدخلنا في زمرتهم كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
﴿وَنَادَى أَصْحَـابُ الاعْرَافِ﴾ وهم الذي علت درجاتهم من الأنبياء وأشراف أهل الموقف وهو الأنسب بما بعد الآية ؛ إذ قولهم ادخلوا الجنة لا يليق بالمقصرين في العمل ﴿رِجَالا﴾ من رؤساء الكفار حين رأوهم فيما بين أصحاب النار، وهم أبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وعاص بن وائل وأضرابهم.
﴿يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ أي : علاماتهم الدالة على سوء حالهم حينئذٍ وعلى رياستهم في الدنيا والباء سببية.
﴿قَالُوا﴾ بدل من نادى أي قال أصحاب الأعراف : وهم على السور مخاطبين لرؤساء الكفار توبيخاً وشماتة ﴿مَآ أَغْنَى عَنكُمْ﴾ ما استفهامية للتقريع أو نافية ومعناه على الثانية (دفع نكرد عذاب ازشما) ﴿جَمْعُكُمْ﴾ أي : أتباعكم وأشياعكم أو جمعكم للمال ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ ما مصدرية أي واستكباركم المستمر على الخلق (يعني استكبار شما مانع عذاب نشد).
﴿أَهَـاؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ هو من تمام قول أصحاب الأعراف للرجال الذين هم رؤساء الكفرة فيكون في محل النصب بالقول المتقدم.
والإشارة إلى ضعفاء المؤمنين الذين كانت الكفرة يحتقرونهم في الدنيا ويحلفون صريحاً أنهم لا يدخلون الجنة قوله :﴿لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ جواب أقسمتم، ومعناه بالفارسية (اين كروه آنا نندكه دردنيا سوكند ميخورديدكه البته خداى هركز بديشان نرساند بخشايش خودرا).
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ أي : فالتفت أصحاب الأعراف إلى فقراء المسلمين مثل بلال وصهيب وسلمان وخباب وأمثالهم، وقالوا لهم، ادخلوا الجنة على رغم أنوف رؤساء الكفار.
﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ﴾ حين يخاف أهل النار ﴿وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ حين يحزن أهل النار.
وفي الآية : ذم المال والاستكبار والافتخار بكثرة الخدم والأعوان والأنصار.
نه منعم بمال ازكسى بهترست
خرا ارل اطلس بوشد خرست
بدين عقل وهمت نخوانم كست
وكر ميرود صد غلام ازست
تكبر كند مرد حشمت رست
ندان كه حشمت بحلم اندرست
١٦٩
ومنعم كند سفله را روزكار