جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
نهد بر دل تنك درويش بار
وبام بلندش بود خود رست
كند بول وخاشاك بر بام ست
واعلم : أن حب المال والاستكبار من أخلاق النفس فلا بد للسالك من تزكيتها وكان من دعاء النبي عليه السلام :"اللهم حسّن خلقي وخلقي" وقد مدحه الله بقوله :﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم : ٤) وكان عليه السلام يجالس الفقراء والمساكين ويواكلهم وكان يمر على الصبيان ويسلم عليهم وأتى رجل فارتدع من هيبته فقال :"هون عليك فلست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" وكان يجلس مختلطاً بأصحابه كأنه أحدهم فيأتى الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل وكان لا يدعوه أحد إلا قال لبيك وكل ذلك من تواضعه صلى الله عليه وسلّم
قال ذو النون المصري : علامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب.
والإشارة : أن المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر في بعض الأوقات يقولون لأهل المحبة والمعرفة وأرباب الطلب من دناءة هممهم أن أحداً منكم لا ينال درجة الوصول ومرتبة الوصال ويقسمون على ذلك ثم يقول الله لأصحاب الأعراف.
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ المضافة إليّ في حظائر القدس وعالم الجبروت ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ﴾ من الخروج منها.
﴿وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ على ما فاتكم من نعيم الجنة إذ تفرغتم لشهود جمالنا ووجود وصالنا.
واعلم : أن أهل النار يرون أهل الله وهم أصحاب الأعراف بالصورة ما داموا في مواطن الكونين، فإذا دخلوا جنة الحقيقة المضافة إلى الله في سرادقات العزة وعالم الجبروت انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقربين فافهم جداً.
وقد حكي عن بابا جعفر الأبهري : أنه دخل على بابا طاهر الهمذاني، فقال : أين كنت؟ فإني حضرت البارحة مع الخواص على باب الله فما رأيتك، ثم قال : بابا طاهر صدقت كنت على الباب مع الخواص وكنت داخلاً مع الأخص فما رأيتني.
فعلى السالك أن لا ينقطع عنهم وعن اعتقادهم وفي الحديث :"لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة".
حب درويشان كليد جنت است
دشمن ايشان سزاى لعنت است
قال في "المثنوي" في حق حسن الظن بالفقراء :
كركدايان طامعند وزشت خو
درشكم خوران توصاحب دل بجو
درتك دريا كهر يا سنكهاست
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
فخرها اندرميان ننكهاست
ومن دعائه صلى الله عليه وسلّم "اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" وحقيقة المسكين من لا شيء له غير الله تعالى وهو أهل الله وأصحاب الأعراف.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٤
﴿وَنَادَى أَصْحَـابُ النَّارِ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ﴾ بعد الاستقرار في الدارين ﴿ءَانٍ﴾ مفسرة أو مخففة كما سبق غير مرة ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنَا﴾ أي صبوا ﴿مِنَ الْمَآءِ﴾ أي : ماء الجنة حتى يطفىء عنا حرّ ما نجد من العطش وذلك أنهم لما بقوا فيها جياعاً عطاشاً، قالوا : يا ربنا إن لنا قرابات في الجنة فائذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فيؤذن لهم في ذلك، فينظرون إلى قراباتهم في الجنة، وإلى ما هم فيه من أنواع النعيم فيعرفونهم ولا يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم، فينادون قراباتهم من أهل الجنة بعد إخبارهم بقرابتهم، ويقولون أفيضوا علينا من الماء ﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ من سائر الأشربة ليلائم الإفاضة
١٧٠
فإن الأصل فيها أن تستعمل في المائعات من المشروبات، أو من الأطعمة فنأكلها لعلها تدفع عنا الجوع على أن الإفاضة عبارة عن الإعطاء بكثرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠
قال أبو حيان : الصحيح تضمين أفيضوا معنى ألقوا، وهؤلاء القائلون كانوا في الدنيا عبيد البطون حريصين على الطعام والشراب حتى ماتوا على ما عاشوا فيه، فحشروا على ما ماتوا عليه، وإن أهل الجنة لما طالوا الجوع والعطش في الدنيا، وإنما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم في الجنة بشهوات النفس.
وفي الآية : بيان أن الإنسان لا يستغني عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب.
قال أبو الجوزاء : سألت ابن عباس رضي الله عنهم أي الصدقة أفضل قال الماء أرأيت أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء.