قال ابن الشيخ : أي تعاظم الإله الواحد الموجد للكل المتصرف فيه بالربوبية رد به على الكفرة الذين كانوا يتخذون أرباباً فدعاهم إلى التوحيد بالحكمة والحجة وصدر الآية بأن ردا لإنكارهم فقال إن ربكم المستحق للربوبية ليس إلا احداً، وهو الله الموجد للكل على الترتيب المحكم المتقن الدال على كمال العلم والحكمة والقدرة، وهو الذي أنشأ ملكه على ما يشاهد ثم أخذ في تدبيره كالملك المتمكن في مملكته بتدبير ملكه انتهى يروى أن الصاحب ابن عباد كان يتردد في معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب، فسمع امرأة تسأل أين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم أي الكلب وأخذ المتاع وتبارك الجبال فاستفسر منهم وعرف أن الرقيم هو الكلب، وأن المتاع هو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع، وأن (تبارك) بمعنى صعد وتعالى وفي الحديث :"من لم يحمد الله على عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر، وحبط عمله ومن زعم أن الله خلق للعباد من الأمر سبباً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه" لقوله تعالى :﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالامْرُ﴾ قال الشاعر :
إلى الله كل الأمر في خلقه معا
وليس إلى المخلوق شيء من الأمر ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾ بمعنى المربي من التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً وهو تعالى مربي الظواهر بالنعمة وهي النفوس، ومربي البواطن بالرحمة وهي القلوب ومربي نفوس العابدين بأحكام الشريعة، ومربي قلوب المشتاقين بآداب الطريقة، ومربي أسرار المحبين بأنوار الحقيقة وهو أي الرب اسم الله الأعظم ولذلك كل اسم قلبته بطل معناه إلا الرب فإن مقلوبه البر
١٧٦
وهو من أسمائه تعالى وإليه يشير ما روي عن الخضر عليه السلام أنه قال الاسم الأعظم ما دعا به كل نبي وولي وعدو أشار إلى أنه مقدمة دعوات الأنبياء نحو :﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ (الأعراف : ٢٣) الآية ونحوه والصحابة نحو ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـاذَا بَـاطِلا﴾ (آل عمران : ١٩١) الآيات والأعداء نحو ﴿رَبِّ فَأَنظِرْنِى﴾ (الحجر : ٣٦).
﴿رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا﴾ (السجدة : ١٢) ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ التضرع (زارى كردن) كذا في "تاج المصادر" يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة من باب فتح أي خضع وذل وهما حالان من فاعل ادعوا أي متضرعين متذللين مخفين الدعاء ليكون أقرب إلى الإجابة لكون الإخفاء دليل الإخلاص والاحتراز عن الرياء روي عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا في غزوة فأشرفوا على واد فجعلوا يكبرون ويهللون رافعي أصوتهم فقال عليه السلام لهم "اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيراً قريباً وإنه لمعكم" أي : بالعلم والإحاطة وفي الحديث استحباب الإخفاء في ذكر الله لكن ذكر شارح "الكشاف" إن هذا بحسب المقام، والشيخ المرشد قد يأمر المبتدي برفع الصوت لينقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا في "شرح المشارق" لابن الملك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠
قال حسين الكاشفي في "الرسالة العلية" :(أي درويش قومي كه كمين كاه نفس را ديدند ودانستند ذكر بجهر كفتن مناسب نديدند كه بريا انجامد ومخفى بذكر مشغول شدند وقول حق تعال راكه).
﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ (الأعراف : ٢٠٥) (كار بستند وجمعي كه بمرتبه اخلاص رسيدند وباطن خودرا از ريا اك يا فتند ذكررا بجهر كفتند وهريكى را ازين وطائفه بر عمل خود دلائل است).
وفي "المثنوي" :
كفت ادعوا الله بي زاري مباش
تا بيايد فيضهاى دوست فاش
تا ساقاهم ربهم آيد خطاب
تشنه باش الله أعلم بالصواب
وعن عمر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إذا رفع يديه في الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه" وذلك ليصل شيء من البركة الفائضة على اليد إلى الوجه كما قال تعالى :﴿سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ وذلك المسح في الحقيقة رجوع إلى الحقيقة الجامعة فإن الوجه هو الذات كما قال في "الأسرار المحمدية" : إن الإنسان حال دعائه متوجه إلى الله تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح أن اليد الواحدة مترجمة عن توجهه بظاهره، واليد الأخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع إلى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن ؛ لأن وجه الشيء حقيقته والوجه الظاهر مظهرها، وقال أيضاً : السنة للداعي في طلب الحاجة له أن ينشرهما يعني : كفيه إلى السماء، وللمكروب أن ينصب ذراعيه حتى يقابل بكفيه وجهه وإذا دعا على أحد أن يقلب كفيه ويجعل ظهرهما إلى السماء والسنة أن يخرج يديه حين الدعاء من كميه.


الصفحة التالية
Icon