قيل : دعاء العامة بالأقوال.
ودعاء الزاهدين بالأفعال.
ودعاء العارفين بالأحوال وإذا وفق الله عبداً إلى نطق بأمر مّا فما وفقه إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند أهل الطريقة لأنه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره :
ويحسن إظهار التجلد للعدى
ويقبح غير العجز عند الأحبة قال الحافظ :
فقير وخسته بدركاهات آمدم رحمي
كه جزدعاى توام نيست هي دست آويز
(ودرمناجات شيخ الإسلام است كه خدايا اكر وفاداران بتواميد دارند جفا كاران نيز بغير توناهى ندارند).
والإشارة أن التضرع ما يطلع عليه الخلق والخفية ما يطلع عليه الحق أي تضرعاً بالجوارح وخفية بالقلوب والاعتداء في الدعاء طلب الغير منه والرضى بما سواه ولا تفسدوا في الأرض أي في أرض القلوب بعد إصلاحها أي بعد أن أصلحها الله برفع الوسائط بينه وبين القلوب فإن فساد القلوب في رؤية غير الحق وصلاحها في رؤية الحق ويقال من إفساد القلوب بعد إصلاحها إرسالها في أودية المنى بعد إمساكها عن متابعة الهوى ومن ذلك الرجوع إلى الحظوظ بعد القيام بالحقوق وادعوه خوفاً من الانقطاع وطمعاً في الاصطناع أن رحمة الله وهي بذل المتمني قريب من المحسنين الذين يرون الله في الطاعات أي يعبدونه طمعاً فيه لا منه كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠
﴿وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ﴾ كل ما كان في القرآن من ذكر الرياح فهو للرحمة، وما كان من ذكر الريح فهو للعذاب، ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام كان يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح ويقول :"اللهم اجعلها لنا رياحاً ولا تجعلها ريحاً، اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك"، وفي الحديث :"لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به".
قال بعض المشايخ : لا تعتمد على الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا شرك في توحيد الأفعال وجهل بحقائق الأمور، ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه يعلم أن الريح لا تتحرك بنفسها بل لها محرك والمحرك له محرك إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو في نفسه أيضاً، بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه.
﴿بَشَرًا﴾ تخفيف بشر بضمتين جمع بشير نحو رغيف ورغف، أي : مبشرات.
﴿بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ﴾ أي : قدام رحمته التي هي المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور
١٧٩
تفرقه.
الصبا : ريح تهب من موضع طلوع الشمس عند استواء الليل والنهار، والدبور : ريح تقابل الصبا أي تهب من موضع غروب الشمس.
والشمال بالفتح : الريح التي تهب من ناحية القطب، والجنوب : الريح التي تقابل الشمال والجنوب تدر السحاب، أي : تستحلبه قال ابن عباس رضي الله عنهما : يرسل الله الرياح فتحمل السحاب فتمريه كما يمري الرجل الناقة والشاة حتى تدر، وفي الآية إطلاق الرحمة على المطر، فقول : من قال إني أفر من الرحمة محمول على المطر ﴿حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ﴾ غاية لقوله : يرسل
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٩
﴿سَحَابًا﴾ أي : حملته ورفعته باليسر والسهولة بأن وجدته خفيفاً قليلاً يقال أقللت كذا، أي : حملته بالسهولة ومن حمل الشيء بسهولة لا شك أنه يعده قليلاً فلذلك اشتق هذا الفعل من القلة ﴿ثِقَالا﴾ جمع ثقيل أي بالماء جمعه مع كونه وصفاً للسحاب، لأن السحاب اسم جنس يصح إطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها فيكون بمعنى الجمع، أي : السحائب.
والسحاب : هو الغيم الجاري في السماء.
﴿سُقْنَـاهُ﴾ من السوق والضمير للسحاب والإفراد باعتبار اللفظ والمعنى بالفارسية (برانيم ما آن ابررا).
﴿لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ أي : لإحياء بلد لا نبات فيه والبلد يطلق على كل موضع من الأرض سواء كان عامراً، أي : ذا عمارة أو غير عامر خالياً أو مسكناً والطائفة منها بلدة والجمع بلاد.
﴿فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ﴾ أي : بالبلد والباء للإلصاق أي التصق إنزال الماء بالبلد.
﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ أي : بسبب ذلك الماء ﴿مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ أي : من كل أنواعها والظاهر أن الاستغراق عرفي ﴿كَذَالِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى﴾ الإشارة فيه إلى إخراج الثمرات أو إلى إحياء البلد الميت أي كما نحييه بإحداث القوة النباتية فيه وتطريته بأنواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الأجداس ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس.
﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ بطرح إحدى التاءين، أي تتذكرون فتعلمون أن من قدر على هذه من غير شبهة.