وفي الآية : إشارة، إلى نوح الروح الذي أرسله الله إلى قومه ببلاد القالب وهو القلب وصفاته والنفس وصفاتها، ومن صفة الروح العبودية والطاعة ودعوة القلب والنفس وصفاتهما إلى الله وعبوديته، ومن صفات النفس وشأنها تكذيب الروح ومخالفته والإباء عن قبول نصحه والروح يحذر قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا يحرموا من مساعدة الرحمة فكذبه قومه من النفس وصفاتها، فأنجينا الروح من ظلمات النفس وتمردها والذين معه وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الرسول وركبوا معه في الفلك، وهو فلك الشريعة والدين فأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أي النفس وصفاتها في بحر الدنيا وشهواتها إنهم كانوا قوماً عمين عن رؤية الله والوصول إليه هذه حال الأنفس والآفاق وأهليهما، ولو أصغوا إلى داعي الحق واجتنبوا عما ارتكبوا لنجوا كما حكي أن الشيخ بقا رضي الله عنه كان يوماً جالساً على شط نهر الملك فمرت به سفينة فيها جند ومعهم خمر وفواكه ونساء متبرجات وصبيان ومغاني وهم في غاية من اللهو والطغيان فقال الشيخ بقا للملاح اتق الله وقدم إلى الله، فلم يلتفتوا إلى كلامه، فقال : أيها النهر المسخر خذ الفجرة فنما الماء عليهم حتى طلع إلى السفينة فأشرفوا على الغرق فصاحوا بالشيخ وأعلنوا بالتوبة فعاد الماء إلى حاله وحسنت توبتهم وكانوا بعد ذلك يكثرون من زيارته.
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٢
امروز قدر ند عزيزان شناختم
يا رب روان ناصح ما ازتوشاد باد
فعلى العاقل أن يقبل النصيحة ممن فوقه ودونه فإن النصيحة سهلة والمشكل قبولها ونعم ما قال السعدي قدس سره :
١٨٤
مردبايدكه كيرد اندر كوش
ورنوشت است ند برديوار
اللهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٢
﴿وَإِلَى عَادٍ﴾ أي : وأرسلنا إلى عاد وهم قوم من أهل اليمن وكان اسم ملكهم عاداً فنسبوا إليه وهو عاد بن إرم بن سام بن نوح.
﴿أَخَاهُمْ﴾ أي : واحداً منهم في النسب لا في الدين كقولهم يا أخا العرب.
﴿هُودًا﴾ عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وإنما جعل الرسول من تلك القبيلة، لأنهم أفهم لكلامه وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وأقرب إلى اتباعه ﴿قَالَ﴾ استئناف.
وفي "التفسير الفارسي" :(قبيله عاد مردم تن آور وبلند بالابودند واز ايشان درتمام روى زمين دران زمان قبيله عظيمة نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در رستش بت مى كذرانيدند حق سبحانه وتعالى هودرا بديشان فرستاد س هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد) قال : يا قَوْمِ} (أي : قوم من) ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ﴾ غيره بالرفع صفة لإله باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة في المبتدأ ولكم خبره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي ألا تتفكرون فلا تتقون عذاب الله تعالى.
﴿قَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ﴾ استئناف كما مر وإنما وصف الملأ بالكفر إذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم إيمانه ولم يظهر إلا عند مجيء وفد عاد إلى مكة يستغيثون كما سيجيء قال :
عصت عاد رسولهمو فأمسوا
عطاشاً ما تبلهم السماء
لهم صنم يقال له صمود
يقابله صداء والبهاء
فبصرنا الرسول سبيل رشد
فأبصرنا الهدى وجلى العماء
وإن إله هود هو إلهي
على الله التوكل والرجاء والملأ : أشراف القوم وهو في الأصل بمعنى الجماعة.
﴿إِنَّا لَنَرَاـاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ أي : متمكناً في خفة عقل راسخاً فيها حيث فارقت دين آبائك.
والسفاهة.
في اللغة : خفة الحلم والرأي.
﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ أي : فيما ادعيت من الرسالة، وفيه إشارة إلى أن قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث إلا نكداً فلما أراد هود عليه السلام أن يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها إلا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم وإخوانهم وصنعوا مثل حالتهم.
وفي "المثنوي" :
در زمين كرنى شكر ورخود نى است
باز كويد باتو أنواع نبات
زانكه خاك اين زمين بإثبات
ترجمان هرزمين نبت وى است
﴿قَالَ﴾ أي : هود عليه السلام سالكاً طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغي لكل ناصح.
يا قَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ} أي : شيء منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة أو للظرفية.
﴿وَلَـاكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ أي : لكني في غاية الرشد والصدق لأني رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه في
١٨٥
الغاية القصوى من الرشد والصدق.
والرشد هو الاهتداء لمصالح الدين والدنيا وهو إنما يكون بالعقل التام.


الصفحة التالية
Icon