﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَـالَـاتِ رَبِّى وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ معروف بالنصح والأمانة مشهور بين الناس بذلك قد سبق في القصة المقدمة سر جمع الرسالات ومعنى النصح والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة وفي قوله (وأنا لكم ناصح أمين) تنبيه على أنهم عرفوه بالأمرين لأن الجملة الحالية إنما يؤتى بها لبيان هيئة ذي الحال والشيء لا يوصف إلا بما يعلم المخاطب اتصافه به، أو لأن في جعل ذكر متعلق النصح والأمانة من قبل المهجور دلالة على أنه أوحدي فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
﴿أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي : استبعدتم وعجبتم من أن جاءكم وحي من مالك أموركم ومربيكم.
﴿عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ﴾ أي : على لسان رجل من جنسكم.
﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾ ويحذركم عاقبة ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي فمن فرط الجهالة وغاية الغباوة عجبوا من كون رجل رسولاً ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكاً.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ﴾ شروع في بيان ترتيب أحكام النصح والأمانة والإنذار وتفصيلها ؛ وإذ منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية أي اذكروا وقت استخلافكم.
قال صاحب "الفوائد" : يشكل هذا بقولهم إذ وإذا وقوعهما ظرفين لازم.
وأجيب : بأن باب الاتساع واسع.
قال المولى أبو السعود : ولعله معطوف على مقدر كأن قيل لا تعجبوا من ذلك وتدبروا في أموركم واذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء.
﴿مِنا بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أي : في مساكنهم أو في الأرض بأن جعلكم ملوكاً فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى شحر عمان.
قال في "التأويلات النجمية" : جعل الله الخلق بعضهم خلفاء عن بعض وجعل الكل خلفاء في الأرض ولا يفني جنساً منهم إلا أقام قوماً خلفاء عنهم من ذلك الجنس فأهل الغفلة إذا انقرضوا أخلف عنهم قوماً وأهل الوصلة إذا انقرضوا ودرجوا أخلف عنهم قوماً.
﴿وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ﴾ أي : في الإبداع والتصوير بالفارسي (وبيفزود شما) أو في الناس ﴿بَاصْطَةً﴾ قامة وقوة فإنه لم يكن في زمانهم مثلهم في عظم الأجرام كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة الصغير ستين ذراعاً.
قال وهب : كان رأس أحدهم كالقبة العظيمة وكان عين أحدهم يفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم.
والإشارة كما أن الله تعالى زاد قوماً على من تقدمهم في بسطة الخلق، زاد قوماً على من تقدمهم في بسطة الخلق فكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود إلى المباني أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع إلى المعاني.
قال الفرزدق :
وقد تلتقي الأسماء في الناس والكنى
كثيراً ولكن فرقوا في الخلائق جمع الخليقة وهي الطبيعة وفي هذا المعنى.
قال الخاقاني :
نى همه يك رنك دارد درنيستانها وليك
ازيكى نى قند خيزد وزدكرنى بوريا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
﴿فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ﴾ جمع إلي بمعنى النعمة وهو تعميم بعد تخصيص.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكي يؤديكم ذلك، أي ذكر النعم إلى الشكر المؤدي إلى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب ولما لم يبق للقوم جواب إلا التمسك بالتقليد.
﴿قَالُوا﴾ مجيبين عن تلك النصائح الجليلة ﴿أَجِئْتَنَا﴾ يا هود ﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ أي لنخصه بالعبادة ﴿وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا﴾
١٨٦
أي : نترك الآلهة التي كان آباؤها يعبدونها ومعنى المجيء في أجئتنا إما المجيء من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحراء فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم وإما من السماء كمجيء الملك منها استهزاء به عليه السلام لأنهم كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يرسل إلا الملك، وإما القصد على المجاز وهو أن يكون مرادهم بالمجيء مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا أن نعبد الله وحده وتقصد إن تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمني من غير إرادة معنى الذهاب.
﴿ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى :﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أي : في الإخبار بنزول العذاب.


الصفحة التالية
Icon