﴿قَالَ﴾ هود عليه السلام ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم﴾ أي : قد وجب فيكون مجازاً من باب إطلاق المسبب على السبب فإن نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله في علمه تعالى.
﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي : من جهته تعالى ﴿رِجْسٌ﴾ عقاب من الارتجاس الذي هو الاضطراب.
﴿وَغَضَبٌ﴾ إرادة انتقام ﴿أَتُجَـادِلُونَنِي فِى أَسْمَآءٍ﴾ عارية عن السمى.
جعل المجادل فيه أسماء مجردة عن المسميات ؛ لأنهم كانوا يسمون الأصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال إنهم بمعزل عن الألوهية واستحقاق العبادة.
﴿سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ أي : سميتم بها ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾ أي : حجة وبرهان في عبادتها قوله سميتموها صفة للأسماء وكذا قوله ما أنزل الله، وقوله من سلطان مفعول أنزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلونني في مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى، فلا يلزم أن يكون الاسم هو المسمى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
قال في "التفسير الفارسي" :(في أسماء دركار اين نامها يعني اين بتان كه هريك را نامى نهاده آيد بعضي را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بودكه باران از ايشان مى بارد وبعضي را حافظه مى خواند ند بمظنه آنكه نكهبان درسفر ايشانند وهمنين رازقه وسالمه واين الفاظ اسما بودند بى مسما ه أصنام راكه جمادات بودند قدرت برينها نبوده س هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين يزها كه ازروى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا).
﴿فَانتَظِرُوا﴾ مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم أي فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتنا بما تعدنا.
﴿إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ لما يحل بكم من العذاب.
﴿فَأَنجَيْنَـاهُ﴾ الفاء فصيحة كما في قوله تعالى :﴿فَانفَجَرَتْ﴾ أي فوقع فأنجينا هوداً ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ أي : في الدين ﴿بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ أي : برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه إشارة أن هوداً مع رتبته في النبوة ودرجته في الرسالة إنما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم أن النجاة لا تكون باستحقاق العلم وإنما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا إلا بفضل الحق سبحانه.
﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ﴾ القوم ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ﴾ أي : استأصلناهم أي أهلكناهم جميعاً بأن قطعنا عرقهم وأصلهم لأن دابر الشيء آخره فقطع دابر القوم إهلاكهم من أولهم إلى آخرهم.
﴿وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ عطف على كذبوا داخل معه في حكم الصلة أي أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعوا عن ذلك أبداً، وفيه تنبيه على أن مناط النجاة هو الإيمان بالله تعالى وتصديق آياته كما أن مدار البوار هو الكفر والتكذيب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
وقصتهم : أنّ عاداً كانوا يسكنون اليمن بالأحقاف وهي رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان إلى حضرموت، وكانوا قد فشوا في الأرض
١٨٧
وقهروا أهلها بقوتهم التي أعطاها الله إياهم وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هوداً نبياً من أوسطهم في النسب وأفضلهم في الحسب، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وأن يكفروا عن ظلم الناس فأبوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة وازدادوا عتواً وتجبراً فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك، وكان الناس إذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا إلى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان أهل مكة يومئذٍ العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلاً يقال له معاوية بن بكر وكانت أمه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفداً إلى مكة يستسقوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد في سبعين رجلاً، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو في خارج مكة فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره فأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة واسم الأخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك أخوالي وأصهاري جهداً وعطشاً وهؤلاء مقيمون عندي والله ما أدري كيف أصنع بهم أستحيي أن آمرهم بالخروج إلى حاجتهم فيظنون أن ذلك لثقل مقامهم علي فشكا ذلك إلى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعراً نغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم
لعل الله يسقينا غماما
فيسقى أرض عاد إن عاداً
قد أمسوا ما يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس ترجو
به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهمو بخير
فقد أمست نساؤهم وأيامى
وإن الوحش تأتيهم جهاراً
فلا تخشى لعادي سهاما
وأنتم ههنا فيما اشتهيتم
نهاركمو وليلكمو التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم
ولا لقوا التحية والسلاما