جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
فلما غنتهم الجرادتان بهذا، قال بعضهم لبعض : يا قوم لقد أبطأتم على أصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم، فقال لهم : مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم هوداً وتبتم إلى الله سقيتم وأظهر إسلامه، فقالوا لمعاوية : احبس عنا مرثداً لا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقي في المسجد، وقال : اللهم إني لم أجيء لمريض فأداويه ولا لأسير فأفاديه اللهم اسقنا فإنا قد هلكنا، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم أعط قيلاً ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فأنشأ الله تعالى سحابات ثلاثاً بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل : اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال : اخترت السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فنودي اخترت دماراً رمداً لا يبقى من آل عاد ولداً ولا شيوخاً إلا فصاروا همداً ثم ساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها
١٨٨
فرحوا وقالوا (هذا عارض ممطرنا)، يقول الله تعالى :(بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها)، أي : كل شيء مرت به فجاءتهم من تلك السحابة ريح عقيم سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً أي دائماً فكانت الريح تحمل الظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة، وكانوا قد حفروا لأرجلهم في الأرض وغيبوها إلى ركبهم فجعلت الريح تدخل أقدامهم وترفع كل اثنين وتضرب بإحدهما الآخر في الهواء، ثم تلقيهما في الوادي والباقون ينظرون حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالتراب عليهم فكان يسمع أنينهم من تحت التراب فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة فما كان يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم وتلذ به أنفسهم قالوا ولما أراد الله إرسال الريح العقيم إلى عاد أوحى إلى الريح أن تخرج إلى عاد فتنتقم منهم فخرجت على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب، فقالت الخزان، يا رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها فأوحى الله تعالى اخرجي على قدر خرق الخاتم فخرجت على قدر ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
قال السدي : فلما بعث الريح إليهم ودنت منهم نظروا إلى الإبل والرحال تطير بهم الريح بين السماء والأرض فتبادروا إلى البيوت، فأخرجتهم الريح من البيوت حتى أهلكتهم على ما ذكر وسبب هلاك الإبل وغيرها من الحيوانات اتصالها بملك أهل الغضب والبلية إذا نزلت فإنما تنزل عامة، ولله تعالى حكم ومصالح جليلة في كل ما يحكم ويريد ولما نجا هود ومن معه من المؤمنين أتوا مكة فعبدوا الله فيها إلى أن ماتوا، وهكذا فعل كل نبي هلك قومه ونجا هو مع المؤمنين قال بعضهم بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعون نبياً وإن قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل في تلك البقعة وسبب الهجرة أن أرض أهل الكفر والمعاصي، قد حل فيها غضب الله وذهب خيرها فاقتضى كمال الخشية من جلال الله تعالى الرحلة إلى دار الأمان، كما قال تعالى :﴿وَمَن دَخَلَه كَانَ ءَامِنًا﴾ (آل عمران : ٩٧) مع أن أمكنة العبادات على طبقات مختلفة متفاوتة في مراتب الثواب فعمل واحد بمكة خير من ألف عمل في غيرها إذ هي محل أنفاس الأنبياء ونفوسهم ومحط رحال الأولياء ورؤوسهم كما أن حال الأزمنة كذلك، فطوبى لعبد هاجر من أرض أهل البدعة والهوى ونزل بأرض أهل السنة والهدى لأن نظر الله تعالى على أهل الخير والصلاح وأما من أخلد إلى أرضه مع جمود أهلها وخمود نار محبتها لمجرد غرض دنيوي من المعاش وغيره فهو ممن أهبطه الله إلى أرض طبيعته وزحزحه عن جنته وأراد خسرانه في تجارته وإلا فالمهتدي إلى سبيل السلام لا يقيم مع الضالين مع وضوح البرهان التام.
سعد يا حب وطن كره حديث است صحيح
نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم
يقول الفقير : اللهم إني هاجرت من أرض أهل البغي والفساد، واخترت سلوك طريق أهل الرشاد فانتقلت من ديار الروم إلى ما يلحق بأرضك المقدسة أعني بروسة المحروسة اللهم ثبت قدمي في طريقك الحق فأنا الحق أرشدني إلى ما في الهجرة من السر المطلق آمين يا معين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٥
﴿وَإِلَى ثَمُودَ﴾ أي : أرسلنا إلى ثمود وهي قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وثمود في كتاب
١٨٩