الله مصروف وغير مصروف.
قال الله تعالى :﴿أَلا إِنَّ ثَمُودَا كَفرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِّثَمُودَ﴾ فمن صرفه جعله اسماً للحي ومن لم يصرفه جعله اسماً للقبيلة.
﴿أَخَاهُمْ﴾ من حيث النسب كهود عليه السلام كما تقدم ﴿صَـالِحًا﴾ عطف بيان لأخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود ﴿قَالَ﴾ استئناف يا قَوْمِ} بحذف ياء المتكلم ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ﴾ فيه إشارة إلى أن الله تعالى وإن غاير بين الرسل من حيث الشرائع إلا أنه جمع بينهم في التوحيد حيث سلك كل واحد منهم في الدعوة مسلك الآخر فقال نوح وهود وصالح يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
روي أنه لما هلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوها في الأرض وكثروا في خصب وسعة فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام فبعث الله إليهم صالحاً وكانوا قوماً عرباً وصالح من أوسطهم نسباً فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط وكبر فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وأنذرهم فسألوه آية تكون مصداقاً لقوله فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن أستجيب لك اتبعناك وأن أستجيب لنا اتبعتنا فقال صالح نعم فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم إلى سؤلهم ولم يظهر إثم الإنجاح فافتضحوا ثم قال سيدهم جندع بن عمرو وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاتبة أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخدجة على خلقة الجمل في الجسامة وغلظة العظام والقوائم شبيهة بالبختي جوفاء وبراء عشراء فإن فعلت صدقناك وأجبناك فأخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا : نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله وهم ينظرون ثم نتجت ولداً مثلها في العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع الباقين من الإيمان ذواب بن عمرو والجباب صاحب أوثانهم ورباب كاهنهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٩
يكى بنور عنايت ره هدايت يافت
يكى بوادى خذلان بماند سر كردان
يكى بوسوسه ديورفت سوى سقر
يكى زيروى حق كرفت ملك جنان
فمكثت الناقة مع ولدها في أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء فبعد ظهور هذه المعجزة، قال لهم صالح :﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ﴾ أي : آية ومعجزة ظاهرة وشاهدة بنبوتي ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ متعلق بجاءتكم أو بمحذوف هو صفة لبينة.
قال المولى أبو السعود : وليس هذا الكلام منه عليه السلام أول ما خاطبهم إثر دعوتهم إلى التوحيد بل إنما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم الله فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى إلى ما في سورة هود من قوله تعالى :﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الارْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود : ٦١) إلى آخر الآيات ﴿هَـاذِه نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً﴾ استئناف كأنه قيل ما هذه البينة فقال هذه ناقة الله أنبهكم عليها أو أشير إليها في حال كونها آية وعلامة دالة على صحة نبوتي، وإضافة الناقة إلى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت الله أو لمجيئها من جهته تعالى بلا أسباب معهودة ووسائط معتادة، يعني : كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وأنثى ولم تكن في صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعي ولكم بيان لمن هي آية له وخصوا بذلك لأنهم هم الذين طلبوها
١٩٠
وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان.
﴿فَذَرُوهَا﴾ تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى فإن ذلك مما يوجب عدم التعرض لها أي دعوها.
﴿تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ﴾ جواب الأمر، أي الناقة ناقة الله والأرض أرض الله فاتركوها ترتع ما ترتع في أرض الحجر من العشب فليس لكم أن تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الأكل.
﴿وَلا تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ﴾ الباء للملابسة أي لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشيء مما يسوءها أصلاً من قتل أو ضرب أو مكروه إكراماً لآية الله تعالى، والسوء : اسم جامع لأنواع الأذى ويجوز أن تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية (ومرسانيد بوى هي بدى) وفيه مبالغة حيث نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة.
﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ جواب للنهي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٩
قال في "التفسير الفارسي" :(استحقاق عذاب نه بواسطه ضرر ناقه است بلكه باقامات ايشان بركفر بعد ازشهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست دركفر).