قال أبو موسى الأشعري : أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعاً وكانوا إذا جاء يومهم وردوا الماء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثاني، وكانت الناقة إذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي فيهرب منها أنعامهم إلى بطنه وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فيهرب منه مواشيهم إلى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة أم غنم، وصدقة بنت المختار لما أضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي.
قال الحدادي : كان في ثمود امرأة يقال لها صدوق كانت جميلة الخلق غنية ذات إبل وبقر وغنم، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لأجل أنها أضرت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها إن عقر الناقة، فأجابها إلى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلاً أحمر أزرق قصيراً يزعمون أنه ولد زنى، ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار أزوجك أيُّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة، وكان منيعاً في قومه فأجابها أيضاً فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة ثمود فأتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فأوحى الله تعالى إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة، فقال لهم
١٩٢
صالح : بذلك، فقالوا : ما كنا لنفعل ثم تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله، وقالوا نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر فنأتي الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده قتلناه ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه فإذا رجعنا قلنا ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، أي يعلمون أنا خرجنا في سفر لنا وكان صالح لا ينام في القرية وكان له مسجد خارج القرية يقال له مسجد صالح يبيت فيه فإذا أصبح أتاهم فوعظهم، وإذا أمسى خرج إلى المسجد فانطلقوا ودخلوا الغار فلما كان الليل سقط عليهم الغار فقتلهم فلما أصبحوا رآهم رجل فصاح في القرية، فقال : ما رضي صالح حتى قتلهم فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩١
وقال ابن إسحاق : إنما اجتمع التسعة الذين عقروا الناقة فقالوا هلموا لنقتل صالحاً فإن كان صالح صادقاً منعنا قتله، وإن كان كذباً ألحقناه بناقته فأتوا ليلاً فبيتوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة، وقال بعضهم : انطلق قدار ومصدع وأصحابهما التسعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها مصدع في أصل صخرة أخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم خرج قدار فعقرها بالسيف فخرت ترغو ثم طعنها في لبتها ونحرها وخرج أهل البلد واقتسموا لحمها فلما رآها سقبها كذلك رقي جبلاً اسمه قارة فرغا ثلاثة ودموعه تنحدر حتى أتى الصخرة التي خلق منها فانفتحت فدخلها.
فذلك قوله تعالى :﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾ ﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ أي : استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح من الأمر بقوله : فذروها ومن النهي بقوله : ولا تمسوها أو استكبروا عن اتباع أمر الله وهو شرعه ودينه ويجوز أن يكون المعنى صدر عتوهم عن أمر ربهم كان أمر ربهم بترك الناقة كان هو السبب في عتوهم ونجوا من هذه كما في قوله :﴿وَمَا فَعَلْتُه عَنْ أَمْرِى﴾ كذا في "الكشاف".
﴿وَقَالُوا﴾ مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والإفحام يا صَـالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} من العذاب على قتل الناقة ﴿إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فإن كونك من جملتهم يستدعي صدق ما تقول من الوعد والوعيد.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ أي : الزلزلة الشديدة لكن لا إثر ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادي العذاب في الأيام الثلاثة كما سيجيء ورد في حكاية هذه القصة.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ وفي موضع ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ (الحجر : ٧٣) وفي موضع ﴿فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾ ولا تناقض لأن الرجفة مترتبة على الصيحة لأنه لما صيح بهم رجفت قلوبهم فماتوا فجاز أن يسند الإهلاك إلى كل واحدة منهما.
وقال الحدادي : فأخذتهم الزلزلة ثم صيحة جبريل.
وفي "التفسير الفارسي :(س فرا كرفت ايشانرا بسبب كشتن ناقه زلزله بعد ازسفيدن صيحه عظيم) وأما قوله بالطاغية فالباء فيها سببية والطاغية مصدر بمعنى الطغيان كالعاقبة والتاء للمبالغة كما في علامة ومعناه أهلكوا بسبب طغيانهم.
﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ﴾ أي : صاروا في أراضيهم وبلدهم أو في مساكنهم ﴿جَـاثِمِينَ﴾ أي : خامدين موتى لاحراك بهم وأصل الجثوم البروك يقال الناس جثوم أي قعود لاحراك بهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩١
قال أبو عبيدة : الجثوم للناس، والطير والبروك للإبل والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركية كما يكون عند الموت المعتاد ولا يخفى ما فيه من شدة الأخذ وسرعة البطش اللهم إنا بك نعوذ من نزول سخطك وحلول غضبك، قيل : حيث ذكرت
١٩٣


الصفحة التالية
Icon