الرجفة وحدت الدار وحيث ذكرت الصيحة جمعت لأن الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به.
روي أنهم لما عقروا الناقة هرب ولدها إلى جبل فرغا ثلاثاً وكان صالح قال لهم بعد بلوغ خبر القتل إليه أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه فانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها، قال صالح : لكل رغوة أجل يوم.
تمتعوا في داركم أي في بلادكم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وقد عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح : أبشروا بعذاب الله ونقمته، فقالوا له : وما علامة ذلك فقال تصبحون غداة يوم الخميس وجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم الجمعة ووجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم السبت ووجوهكم مسودة، ثم يصبحكم العذاب أول يوم الأحد فكان الأمر كما وصف نبيهم حيث أصبحوا يوم الخميس كأن وجوههم طليت بالزعفران صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فأيقنوا بالعذاب، وعلموا أن صالحاً قد صدق فطلبوه ليقتلوه فهرب منهم واختفى في موضع فلم يجدوه فجعلوا يعذبون أصحابه ليدلوهم عليه، فلما أصبحوا يوم الجمعة أصبحت وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء فصاحوا بأجمعهم وضجوا وبكوا وعرفوا أن العذاب قد دنا إليهم وجعل كل واحد منهم يخبر الآخر بما يرى في وجهه، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة كأنها طليت بالقار والنيل فصاحوا جميعاً ألا قد حضر العذاب، فلما كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن آمن به إلى الشام فنزل رملة فلسطين فلما كان يوم الأحد وهو اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر لئلا يتعرض لهم السباع لمرارته وتكفنوا بالأنطاع وألقوا نفوسهم على الأرض يقلبون أبصارهم إلى السماء مرة وإلى الأرض أخرى لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فأتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شيء له صوت ورجفة من الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك.
فإن قلت : مشاهدة العلامات المذكورة تلجىء المكلف إلى الإيمان فهل يحتمل أن يبقى العاقل بعدها مصرّاً على كفره.
قلت : لما شاهدوا علامات نزول العذاب خرجوا عن حد التكليف فلم تقبل توبتهم بعد ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩١
﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ أثر ما شاهد ما جرى عليهم من الهلاك تولى مغتماً متحسراً على ما فاتهم من الإيمان متحزناً عليهم.
﴿وَقَالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى﴾ (يغام روردكار من كه بأداء آن مأمور بودم) ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ وقت الدعوة بالترغيب والترهيب وبذلت فيكم وسعى، ﴿وَلَـاكِن لا تُحِبُّونَ النَّـاصِحِينَ﴾ صيغة المضارع حكاية حال ماضية أي شأنكم الاستهزاء على بعض الناصحين لأن قول الناصح ثقيل والحق مرّ وما يفيدان البغضة كما قال قائلهم :
وكم سقت في آثاركم من نصيحة
وقد يستفيد البغضة المتنصح وذلك أيضاً من خباثة أرض النفس الخبيثة لم تقبل بذر النصح ولم ينبت فيها.
وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال لما مر النبي عليه السلام بالحجر في غزوة تبوك يعني : مواضع ثمود قال لأصحابه :"لا يدخلن أحد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم" ثم قال :"لا تسألوا رسولكم الآيات فإن هؤلاء
١٩٤
قوم صالح سألوا رسولهم الآية، فبعث الله إليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها وأراهم مرتقى الفصيل حيث ارتقى" ثم أسرع رسول الله السير حتى جاوز الوادي، وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعلي :"يا علي أتدري من أشقى الأولين"؟ قال الله ورسوله أعلم قال :"عاقر الناقة" ثم قال :"أتدري من أشقى الآخرين"؟ قال الله ورسوله أعلم قال :"قاتلك".
وفي "المثنوي" :
ناقه صالح بصورت بد شتر
ى بريدندش زجهل آن قوم مر
ناقة الله آب خورد از جوى ميغ
آب حق را داشتند از حق دريغ
شحنه قهر خدا زيشان بجست
خونبهاى اشترى شهري درست
صالح ازخلوت بسوى شهر رفت
شهر ديد اندر ميان دود وتفت
زاستخوانها شان شنيد اونالها
اشك خونازجان شان ون الها
صالح آن بشنيد وكريه سازكرد
نوحه بر نوحه كنان آغاز كرد
كفت أي قومي بباطن زيسته
واز شما من يش حق بكريسته
حق بكفته صبركن برجورشان
ندشان ده بس نماند از دورشان
من بكفته ند شد ند از جفا
شير ند از مهر جوشد وز صفا
بس كه كرديد از جفا برجاى من
شير ند افسرد در ركهاى من
حق مرا كفته ترا لطفي دهم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩١
بر سر آن زخمها مرهم نهم
صاف كرده حق دلم را ون سما
روفته از خاطرم جور شما
در نصيحت من شده بار دكر
كفته أمثال سخنها ون شكر
شير تازه از شكر انكيخته
شير شهدي با سخن آميخته
درشما ون زهر كشته اين سخن
زانكه زهرستان بديد از بيخ وبن
ون شوم غمكين كه غم شد سر نكون
غم شما بوديد اي قوم حرون
هي كس برمرك غم نوحه كند
ريش سر ون شد كسى مو بركند


الصفحة التالية
Icon