والإشارة أن صالح الروح أرسل بنفخة الحق إلى بلد القلب وساكنيه ليدعوهم من الأوصاف الرديئة السفلية الظلمانية الحيوانية إلى الأخلاق الحميدة العلوية النورانية الروحانية والنفس وصفاتها عقروا ناقة سر القلب بسكاكين مخالفات الحق والاستكبار وعتوا عن أمر ربهم من التوحيد والمعرفة فصاروا إلى الهلاك وبقوا في أودية الجهل والإنكار عصمنا الله وإياكم من كل ما يسوء الروح ويمنع الفتوح.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩١
﴿وَلُوطًا﴾ أي : وأرسلنا لوطاً وهو لوط بن هاران بن تارخ فهو ابن أخي إبراهيم كان من أرض بابل العراق فهاجر مع عمه إبراهيم إلى الشام ونزل الأردن وهو كورة بالشام فأرسله الله إلى أهل سدوم بلد بحمص.
قال في "التفسير الفارسي" :(خداى تعالى ويرا يغمبرى داد وباهل مؤتفكات فرستاد وآن ن شهر بوده سدوم أعظم مداين بود وديكر عامه وداود وصابورا وصفود كويند درهر شهري هار بارهزار هزار آدمي بوند لوط عليه السلام بسدوم آمد وخلق را بخداى تعالى دعوت كرد وبيست سال
١٩٥
درميان ايشان بود وبخيرات امر مينمود واز فواحش نهى فرمود ويكى از فواحشها لواطه بود) كما حكى الله تعالى بقوله :﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ (مرقوم سدوم راكه لوط عليه السلام درميان ايشان بود) وهو ظرف لأرسلنا المضمر أي أرسلنا لوطاً إلى قومه وقت قوله لهم.
قيل : الإرسال قبل وقت القول لا فيه.
وأجيب بأن هذا من قبيل قولك في ظرف المكان زيد في أرض الروم فهو ههنا غير حقيقي فيكفي وقوع المظروف في بعض أجزائه.
﴿أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ﴾ إنكار وتقريع على تلك الفعلة المتمادية في القبح أي البالغة إلى غاية القبح وهي اللواطة والمعنى أتفعلونها ﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا﴾ ما فعلها قبلكم على أن الباء للتعدية، كما في قوله عليه السلام :"سبقك بها عكاشة" من قولك سبقته بالكرة أي ضربتها قبله ﴿مِّنْ أَحَدٍ﴾ من مزيدة لتأكيد النفي وإفادة الاستغراق ﴿مِّنَ الْعَـالَمِينَ﴾ من للتبعيض والجملة استئناف نحوي أي مبتدأة جيء بها تأكيداً للإنكار السابق كأنه وبخهم أولاً بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فإنه أسوأ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٥
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ بيان لتلك الفاحشة.
قرأ نافع وحفص إنكم بطريق الخبر والباقون ائنكم بطريق الاستفهام يقال أتى المرأة إذا غشيها وفي إيراد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما مبالغة في التوبيخ.
﴿شَهْوَةً﴾ مفعول له وفي التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لا قضاء الشهوة.
﴿مِّن دُونِ النِّسَآءِ﴾ أي : متجاوزين النساء اللاتي أباح الله لكم ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ إضراب عن الإنكار المذكور إلى الإخبار بحالهم التي أدت بهم إلى ارتكاب أمثاله وهي اعتياد الإسراف في كل شيء، يعني : إنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحد في كل شيء فمن ثمة أسرفوا في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا عما عين لها إلى غيره.
﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِه إِلا أَن قَالُوا﴾ استثناء مفرغ من أعم الأشياء، أي ما كان جواباً من جهة قومه شيء من الأشياء إلا قول بعضهم لبعض ﴿أَخْرِجُوهُم﴾ أي : لوطاً ومن معه من المؤمنين.
﴿مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ أي : إلا هذا القول الذي يستحيل أن يكون جواباً لكلام لوط وليس المراد لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن مقالات لوط ومواعظه إلا هذه المقالة الباطلة كما هو المتسارع إلى الأفهام، بل إنه لم يصدر عنهم في المرة الأخيرة من مرات المحاورات الجارية بينهم وبينه عليه السلام إلا هذه الكلمة الشنيعة، وإلا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات حسبما حكى عنهم في سائر السور الكريمة وهذا هو الوجه في نظائره الواردة بطريق القصر، وقوله :﴿مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ أي : من بلدكم فإن العرب تسمي المدينة قرية والمراد بلدة سدوم.
﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أي : يطلبون الطهارة من الفواحش قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية بهم.
﴿فَأَنجَيْنَـاهُ﴾ أي : لوطاً ﴿وَأَهْلَهُ﴾ ابنتيه رعوزا وريثا وسائر من آمن به فإن الأهل يفسر بالأزواج والأولاد وبالعبيد والإماء وبالأقارب وبالأصحاب وبالمجموع وأهل الرجل خاصته الذين ينسبون إليه.
﴿إِلا امْرَأَتَهُ﴾ وأهله فإنها تسر الكفر وتغري الكفار على إنكار لوط وهو استثناء من أهله.
﴿كَانَتْ مِنَ الْغَـابِرِينَ﴾ استئناف بياني كأنه قيل : فماذا كان حالها فقيل كانت من الغابرين أي الباقين في ديارهم الهالكين فيها من الغبور بالفارسي (باقي بماندن) والتذكير مع أن الظاهر أن يقال من الغابرات مبني على أنه بقي في ديارهم
١٩٦
رجال ونساء فغلب الرجال فقيل في حقها إنها كانت منهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٥