قلت : الشرع لم يأذن في هذا المحل بالتصرف لغاية قباحته ونهاية خبائثه، ومجرد المملوكية لا يقتضي التصرف في المملوك ألا ترى أن من ملك مجوسية أو وثنية لم يجز له تصرف فيهما أصلاً ما لم تدخلا في الإسلام، وكذا لا يجوز التصرف للسيدة في عبدها المملوك في محل لم يأذن الشرع بالتصرف فيه كالتقبيل والتفخيذ وغيرها من دواعي الوطء فلو جاز للسيد التصرف في عبده لجاز للسيدة التصرف في عبدها بطريق الأولى لكونها محلاً للحرث.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٥
والإتيان في دبر الذكر هو اللواطة الكبرى، وفي دبر المرأة هو اللواطة الصغرى وفي الحديث :"ملعون من أتى امرأة في دبرها" وهل تجوز اللواطة في الجنة قيل إن كان حرمتها عقلاً وسمعاً لا تجوز وإن كان سمعاً فقط تجوز والصحيح أنها لا تجوز فيها لأن الله تعالى استبعدها واستقبحها فقال :﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَـالَمِينَ﴾ وسماها خبيثة فقال :﴿كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَـائِثَ﴾ (الأنبياء : ٧٤) والجنة منزهة عنها.
قال المولى زيرك زاده في "حواشي الأشباه" رحمه الله تعالى رحمة واسعة قد قال الله تعالى :﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا﴾ (الإنسان : ١٩) وفي موضع آخر ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ﴾ (فصلت : ٣١) والآية تدل على أن في الجنة مرداً ملاحاً وبعيد أن يكونوا غير مشتهين وغير المعقول في الدنيا أن يكون خلاف الوضع والاستقذار وقطع النسل وأما في النشأة الأخروية فهذه المحذورات منتفية انتهى كلام زيرك زاده.
يقول الفقير : هذا ليس بمرضي عند القلب السليم والعقل المستقيم يأبى عنه من يعرف القبيح من الحسن ويتنفر من يميز الزيوف والنبهرج من النقد الجيد المستحسن.
فإن الطواف في الآية الأولى إنما دل على كونهم خدام أهل الجنة وإن أهل الجنة يتلذذون بالنظر إلى جمالهم وبهجتهم وهذا لا يقتضي التلذذ بالاستمتاع أيضاً كما في حق الحور، والانتهاء في الآية الثانية وإن كان عاماً لكنه يجوز
١٩٨
أن لا تكون اللواطة مشتهاة لأهل الجنة للحكمة التي عليها مدار حرمتها في جميع الأديان كالزنى بخلاف الخمر فإنها كانت حلالاً في بعض الأديان ولذا صارت من نعيم الجنان أيضاً ومطلق ارتفاع موانع الحرمة لا يقتضي الحل والجواز ألا ترى إلى تستر أهل الجنة عند الوقاع فإن أهليهم لا يظهرن لغير المحارم كما في "الواقعات المحمودية" هذا.
وأما حكم الوطء بحسب الشرع فذهب الشافعي إلى أنه يقتل.
وذهب أحمد بن حنبل : إلى أنه يرجم وإن كان غير محصن.
قال في "شرح الوقاية" : إن من أتى دبر أجنبي أو امرأة فعند أبي حنيفة لا يحد، بل يعزر ويودع في السجن حتى يتوب، وعندهما يحد حد الزنى فيجلد إن لم يكن محصنا ويرجم إن كان محصناً قال : قيدنا بدبر الأجنبي لأنه لو فعل ذلك بعبده أو أمته أو بمنكوحته لا يحد اتفاقاً لهما أن الصحابة أجمعوا على حده ولكن اختلفوا في وجوهه فقال بعضهم يحبس في أنتن المواضع حتى يموت وقال بعضهم يهدم عليه الجدار انتهى.
وقد يقال : يلقى من مكان عال كالمنارة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٥
قال أبو بكر الوراق : يحرق بالنار صرح به في "شرح المجمع".
قال في "الزيادات" والرأي إلى الإمام إن شاء قتله إن اعتاد ذلك وإن شاء حبسه كما في "شرح الأكمل".
والظاهر أن ما ذهب إليه أبو حنيفة إنما هو استعظام لذلك الفعل فإنه ليس في القبح بحيث أن يجازي كالقتل والزنى، وإنما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما أن يقول في اليمين الغموس إنه لا يجب فيه الكفارة لأنه لعظمه لا يستتر بالكفارة.
وفي كتاب "الحظر والإباحة" : رجل وطء بهيمة.
قال أبو حنيفة : إن كانت البهيمة للواطىء يقال له : اذبحها وأحرقها إن كانت مأكولة وإن لم تكن مما تؤكل تذبح ولا تحرق.
قال في ترجمة الجلد الأخير من "الفتوحات المكية" (وازنكاح بهايم اجتناب كن نه شرع است ونه دين ونه مروت شخصي بود صالح أما قليل العلم درخانه خود منقطع بود ناكاه بهيمه خريد راردا بدان حاجني ظاهر نه بعد ازند سال كسى ازوى رسيد تواين را ه ميكنى وترابوى شغلي وحاجتي نيست كفت دين خودار باين محافظت ميكنم او خود با آن بهيمه جمع مى آمده است تا ززنا معصوم ماند اورا أعلام كردندكه آن حرامست وصاحب شرع نهى فرموده است بسيار كريست وتوبه كرد وكفت ندانستم س برتو فرض عين است كه از دين خوم باز جويى وحلال وحرام را تمييز كنى تا تصرفات تو بر طريق استقامت باشد انتهى كلام الترجمة) وفي الحديث :"ومن لم يستطع فعليه بالصوم" استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه أرشد عند العجز عن التزوج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء، وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة جائز.