﴿قَالَ﴾ شعيب رداً لمقالتهم الباطلة وتكذيباً لهم في أيمانهم الفاجرة.
﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَـارِهِينَ﴾ تقديره أنعود فيها ولو كنا كارهين، أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لها على أن الهمزة لإنكار الوقوع نفيه لا لإنكار الواقع واستقباحه كالتي في قوله تعالى :﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىْءٍ مُّبِينٍ﴾ (الشعراء : ٣٠) ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ عظيماً.
﴿إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُم﴾ التي هي الشرك وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن عدنا في ملتكم.
٢٠٢
﴿بَعْدَ إِذْ نَجَّـانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ فقد افترينا على الله كذباً عظيماً حيث نزعم حينئذٍ أنتعالى نداً وليس كمثله شيء وأنه قد تبين لنا أن ما كنا عليه من الإسلام باطل وأن ما كنتم عليه من الكفر حق وأي افتراء أعظم من ذلك.
﴿وَمَا يَكُونُ لَنَآ﴾ أي : وما يصح وما يستقيم لنا.
﴿أَن نَّعُودَ فِيهَآ﴾ في حال من الأحوال أو في وقت من الأوقات.
﴿إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ أي : إلا حالة مشيئة الله تعالى لعودنا فيها وذلك مما لا يكاد يكون كما ينبىء عنه قوله ﴿رَبَّنَآ﴾ فإن التعرض لعنوان ربوبيته تعالى لهم مما ينبىء عن استحالة مشيئته تعالى لارتدادهم قطعاً، وكذا قوله تعالى :﴿بَعْدَ إِذْ نَجَّـانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ فإن تنجيته تعالى لهم منها من دلائل عدم مشيئته تعالى لعودهم فيها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٢
وقيل : معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا وفيه دليل على أن الكفر بمشيئة الله تعالى وأياً ما كان فليس المراد بذلك بيان أن العود فيها في حيز الإمكان وخطر الوقوع بناء على كون مشيئته تعالى كذلك بل بيان استحالة وقوعها كأنه قيل : وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وهيهات ذلك بدليل ما ذكر من موجبات عدم مشيئته تعالى له.
﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ علماً نصب على التمييز منقول عن الفاعلية تقديره وسع علم ربنا كل شيء كقوله :﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ والمعنى : إحاطة علمه بكل ما كان وما سيكون من الأشياء التي من جملتها أحوال عباده وعزائمهم ونياتهم وما هو اللائق بكل واحد منهم فمحال من لطفه أن يشاء عودنا فيها بعد ما نجانا منها مع اعتصمامنا به خاصة حسبما ينطق به قوله تعالى :﴿عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا﴾ في أن يثبتنا على الإيمان ويخلصنا من الأشرار ثم أعرض عن المعاندين وتوجه إلى مناجاة رب العالمين فقال :﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ احكم بيننا وبينهم واقض بما يدل على أنّا على الحق وهم على الباطل وافصل بما يليق بحال كل من الفريقين.
﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْفَـاتِحِينَ﴾ والفاتح : هو الحاكم بلغة أهل عُمان سمي فاتحاً ؛ لأنه يفتح المشكلات ويفصل الأمور ويجوز أن يكون من فتح المشكل إذا بينه.
والمعنى أظهر أمرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز الحق من المبطل.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿احْكُم بَيْنَهُم﴾ بإظهار حقيقة ما قدرت لنا من خاتمة الخير وإظهار ما قدرت لهم من خاتمة السوء.
﴿وَقَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ﴾ عطف على قوله :﴿قَالَ الْمَلا الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ أي : قال أشرافهم الذين أصروا على الكفر لأعقابهم بعد ما شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين في الإيمان، وخافوا أن يستتبعوا قومهم تثبيطاً لهم عن الإيمان وتنفيراً لهم منه على طريقة التوكيد القسمي، والله ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا﴾ ودخلتم في دينه وتركتم دين آبائكم ﴿إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـاسِرُونَ﴾ أي : في الدين لاشترائكم الضلالة بهداكم أو في الدنيا لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٢
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ أي : الزلزلة الشديدة وهكذا في سورة العنكبوت وفي سورة هود ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ (هود : ٦٧) أي صيحة جبريل ولعلها من مبادىء الرجفة فأسند هلاكهم إلى السبب القريب تارة وإلى البعيد أخرى.
قال ابن عباس : رجفت بهم الأرض وأصابهم حر شديد فرفعت لهم سحابة فخرجوا إليها يطلبون الروح منها فلما كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب، ومعه صيحة جبريل عليه السلام ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ﴾ أي : صاروا في مدينتهم وفي سورة هود.
﴿فِى دِيَـارِهِمْ﴾ (هود : ٦٧).
قال الحدادي : أي بقرب دارهم تحت الظلة كما قال تعالى :﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ (الشعراء : ١٨٩) أي : ميتين على وجوههم وركبهم لازمين لأماكنهم
٢٠٣
لابراح لهم منها.
وروي أنهم احترقوا تحت السحابة فصاروا ميتين بمنزلة الرماد الجاثم أجساماً ملقاة على الأرض محترقة.