قال إبراهيم بن أدهم لرجل : أتحب أن تكونولياً؟ قال : نعم قال لا ترغب في شيء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسكوأقبل بوجهك عليه ليقبل عليك ويواليك، فعلم من هذا أن من كان إقباله إلى نفسه وإلى هواها لا يجد الحق وإقباله وموالاته في كل حالاته ومقاماته كما لا يخفى ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ﴾ (در شهري وديهي) ﴿مِنْ﴾ مزيدة ﴿نَّبِىٍّ﴾ كذبه أهلها ﴿إِلا﴾ قد ﴿أَخَذْنَآ أَهْلَهَا﴾ استثناء مفرغ من أعم الأحوال، والمعنى : وما أرسلنا في قرية من القرى المهلكة نبياً من الأنبياء المكذبين في حال من الأحوال إلا لفي حال كوننا آخذين أهلها.
﴿بِالْبَأْسَآءِ﴾ بالبؤس والفقر.
﴿وَالضَّرَّآءِ﴾ بالضر والمرض لكن لا على معنى أن ابتداء الإرسال مقارن للأخذ المذكور بل على أنه مستتبع له غير منفك عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه.
﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ كي يتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة عن أكتافهم، فإن الشدة خصوصاً الجوع يؤدي إلى التواضع والانقياد في حق أكثر العباد، ومن بلاغات الزمخشري المرض والحاجة خطبان أمرّ من نقيع الخطبان وهم بضم الخاء نوع من ورق الحنظل أصفر وهو أبلغ في المرارة.
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا﴾ عطف على أخذنا داخل في حكمه ﴿مَكَانَ السَّيِّئَةِ﴾ التي أصابتهم ﴿الْحَسَنَةَ﴾ أي : أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة لأن ورود النعمة بعد الشدة يدعوا إلى الانقياد والاشتغال بالشكر، إنما سميت الشدة سيئة لأنها تسوء الإنسان كما سمي الرخاء حسنة ؛ لأنه يحسن أثره على الإنسان وإلا فالسيئة هي الفعلة القبيحة والله تعالى لا يفعل القبيح والحسنة والسيئة من الألفاظ المستغنية عن ذكر موصوفاتها حالة الإفراد والجمع سواء كانتا صفتين للأعمال أو المثوبة أو الحالة من الرخا والشدة.
﴿حَتَّى عَفَوا﴾ كثروا عدداً وعدداً وأبطرتهم النعمة يقال عفا النبات إذا كثر وتكاثف ومنه أعفا اللحى في الحديث وهو :"احفوا الشوارب واعفوا اللحى" قال الشاعر :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٤
عفوا من بعد إقلال وكانوا
زماناً ليس عند همو بعير
٢٠٥
﴿وَقَالُوا﴾ غير واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاء من الله سبحانه ﴿قَدْ مَسَّ ءَابَآءَنَا الضَّرَّآءُ وَالسَّرَّآءُ﴾ كما مسنا ذلك وما هو إلا عادة الدهر يسيء تارة ويحسن أخرى فكما أن آباءنا قد ثبتوا على دينهم ولم ينتقلوا عنه مع ما أصابهم فاثبتوا أنتم على دينكم ولا تنتقلوا عنه.
﴿فَأَخَذْنَـاهُمْ﴾ أثر ذلك ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة أشد الأخذ وأفظعه ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ بنزول العقاب وهم لا يخطرون ببالهم شيئاً من المكاره وهو أشد وحسرته أعظم لأن المرء إذا رأى مقدمات الابتلاء يوطن نفسه عليها بخلاف حال الفجأة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٤
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى﴾ أي : القرى المهلكة المدلول عليها بقوله تعالى :﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ ﴿وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا﴾ مكان كفرهم وعصيانهم ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء وبعضها من الأرض، وأكثر أهل التفسير على أن بركات السماء هي المطر وبركات الأرض النبات والثمار.
﴿وَلَـاكِن كَذَّبُوا﴾ الرسل ﴿فَأَخَذْنَـاهُمْ﴾ هذا الأخذ عبارة عما في قوله تعالى :﴿فَأَخَذْنَـاهُم بَغْتَةً﴾ (الأعراف : ٩٥) ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ من أنواع الكفر والمعاصي.
وفي الآية دلالة : على أن الكفاية والسعة في الرزق من سعادة المرء إذا كان شاكراً أو المراد بقوله لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة الكثرة التي تكون وبالاعلى من لا يشكر الله تعالى.
قال في "التفسير الفارسي" :(در حقايق سلمى فرموده كه اكر بندكان بكرديدندى بمواعد من وحذر كردندى از مخالفت يا بترسيدندى ازتهديد من دلهاء ايشانرا بنور مشاهده خود روشنى دادمى كه ببركت سما أشارت بدانست وجوارح وأعضاء ايشانرا بخدمت خود بيا راستمى كه بركت زمين عبارت ازآنست).
در زمين وآسمان درهاء جود
مى كشايند ازى اهل سجود
از زمين ر اطاعت بازكن
بر سماى معرفت رواز كن
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى﴾ الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه لا لإنكار الوقوع ونفيه والفاء للعطف على قوله فأخذناهم بغتة، والمعنى : أبعد ذلك الأخذ أمن أهل مكة ومن حولها من المكذبين لك يا محمد.
﴿أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿بَيَـاتًا﴾ ليلاً ﴿وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ في فرشهم ومنازلهم لا يشعرون بالعذاب لغفلتهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٦