وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال :"ألا تبايعون رسول الله" وكنا حديثي عهد بيعته فقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال :"أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وتقيموا الصلوات الخمس وتطيعوا" وأسر كلمة خفية "ولا تسألوا الناس"، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم لم يسأل أحداً يناوله" إياه يعني : خوفاً من نقض العهد واهتماماً في أمر الوفاء فانظر إلى هؤلاء الرجال ومبايعتهم ودخولهم في طريق الحق ومسارعتهم، فإذا احترزوا عن سؤال مناولة السوط الذي سقط من أيديهم فما ظنك في الاحتراز عما فوقه من الأحوال المتواردة عليهم، وأنت يا رجل وكلنا ذلك الرجل تجول في ميدان الخواطر الفاسدة، ثم لا تقنع بذلك بل تطير إلى جانب مرادك من الأفعال الباطلة والأقوال الكاسدة ولعمري هذا ليس في طريق العوام، فكيف في طريق الصوفية الذين عقدوا عقداً على أن لا يخطر بباله سوى الله ولا يسألوا منه تعالى غير الوصول إلى ذاته أين هم والله إن هذا زمان لم يُبققِ من التصوف إلا الاسم ولا من لباس التقوى إلا الرسم، نسأل الله تعالى أن يوجهنا إلى محراب ذاته ويسلك بنا إلى طريق أفعاله وصفاته ويفيض علينا من سجال بركاته ويشرفنا بالخاصة من هداياته إنه هو الفياض من مشرع عناياته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٧
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنا بَعْدِهِم مُّوسَى﴾ أي : أرسلنا من بعد انقضاء وقائع الرسل المذكورين، وهم نوح وهود ولوط وصالح وشعيب عليهم السلام، والتصريح بذلك مع دلالة ثم على التراخي للإيذان بأن بعثه عليه السلام جرى على سنن السنة الإلهية من إرسال الرسل تترى، فإن الله تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل قوم نبياً بعد نبي كما يخلف قوماً بعد قوم وقرناً بعد قرن ويظهر المعجزات على يدي النبي ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة إلى نور الحقيقة فإن أغلب أهل كل زمان وقرن وأكثرهم غافلون عن الدين وحقائقه مستغرقون في بحر الدنيا مستهلكون في أودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانية ظلمات بعضها فوق بعض.
﴿بآياتنا﴾ حال من مفعول بعثنا وهو موسى، أي بعثناه عليه السلام ملبتساً بآياتنا، وهي الآيات التسع المفصلات التي هي : العصا واليد البيضاء والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، كما سيأتي.
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة، كما أن كسرى لقب لكل من ملك فارس، وقيصر
٢٠٩
لكل من ملك الروم، وخاقان لكل من ملك الصين، وتبع لكل من ملك اليمن.
والقيل لكل من ملك العرب، والنجاشي لكل من ملك الحبش، والخليفة لكل من ملك بغداد.
والسلطان لآل سلجوق واسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن ريان وكان من القبط وعمّر أكثر من أربعمائة سنة.
أي أشراف قومه وتخصيصهم مع عموم رسالته للقوم كافة لأصالتهم في تدبر الأمور واتباع غيرهم لهم في الورود والصدور.
﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾ عدّي بالباء لتضمين ظلموا معنى كفروا، أي كفروا بالمعجزات وظلموا عليها بأن جعلوها سحراً فوضعوها في غير موضعها ﴿فَانظُرْ﴾ بعين عقلك يا من شأنه النظر والتأمل.
﴿كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ إلى كيفية ما فعلنا بهم فكيف خبر كان وعاقبة اسمها والجملة في محل النصب بنزع الخافض إذ التقدير فانظر إلى كذا ووضع المفسدين موضع ضميرهم للإيذان بأن الظلم مستلزم للإفساد.
وفي "التفسير الفارسي" :(حضرت موسى عليه السلام ون از مصر فرار نمود ودرمدين بصحبت شعيب عليه السلام رسيد ودختراو صفورا بعقد در آورده عزم مراجعت بامصر نمود دراثناى طريق بوادى ايمن رسيد وخلعت يغمبرى يافت بمعجزه عصا ويد بيضا اختصاص ذيرفت حق سبحانه وتعالى فرمودكه بمصر رو وفرعون را بخداى تعالى دعوت كن موسى بيامد وبعد ازمدتى كه ملاقات فرعون دست داد آغاز دعوت كرد).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٧
قال الحدادي : نقلاً عن ابن عباس كان طول عصا موسى عشرة أذرع على طوله، وكانت من آس الجنة يضرب بها الأرض، فيخرج بها النبات، فيلقيها فإذا هي حبة تسعى ويضرب بها الحجر فيتفجر وضرب بها باب فرعون ففزع منها فشاب رأسه فاستحيى فخضب بالسواد وأول من خضب بالسواد فرعون وهو حرام لا يجد فاعله رائحة الجنة.
قال صاحب "المحيط" : هذا في حق غير الغزاة أما من فعله من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو لا للتزين فغير حرام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٧
﴿وَقَالَ مُوسَى﴾ أي لما دخل على فرعون ومعه أخوه هارون بعثهما الله إليه بالرسالة قال يا فِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ} أي : إليك ﴿مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ أدعوك إلى عبادة رب العالمين وأنهاك عن دعوى الربوبية فقال له فرعون كذبت ما أنت برسول فقال موسى.