قال ابن مسعود : لا تضر الطيرة إلا من تطير ومعناه أن من تطير تطيراً منهياً عنه أو يراه مما يتطير به حتى يمنعه مما يريده من حاجته فإنه قد يصيبه ما يكرهه، فأما من توكل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفاً ورجاء، وقطعه عن الالتفات إلى الأسباب المخوفة وقال ما أمر به من الكلمات ومضى فإنه لا يضره فالمراد بالكلمات ما في قوله عليه السلام :"ليس عبد إلا سيدخل قلبه الطيرة، فإذا أحس بذلك فليقل : اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يذهب بالسيئات إلا الله وأشهد أن الله على كل شيء قدير"، ثم يمضي إلى حاجته أي كل ما أصاب الإنسان من الخير والشر واليمين والشؤم ليس إلا بقضائك وتقديرك وحكمك ومشيئتك وفي الحديث :"الشؤم في المرأة والفرس والدار".
فشؤم المرأة سوء خلقها أو غلاء مهرها، وقيل أن لا تلد.
وشؤم الفرس عدم انقياده أو أنه لا يغزى عليه، وشؤم الدار ضيقها أو سوء جارها وهذا الحكم على وجه الغلبة لا القطع خص الثلاث بالذكر لأن فيها يصل الضرر الكثير إلى صاحبها أو لأنها أقرب إلى الآفة فيما يبتلى به الإنسان فمن تشاءم بالمذكورات فليفارقها واعترض عليه بحديث :"لا طيرة" أجاب ابن قتيبة بأن هذا مخصوص منه أي لا طيرة إلا في
٢١٨
هذه الثلاث.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
وسمع فيلسوف صوت مغن بارد، فقال : يزعم أهل الكهانة أن صوت البوم يدل على موت الإنسان فإن كان ما ذكروه حقاً فصوت هذا يدل على موت البومة.
زيبقم در كوش كن تانشنوم
يا درم بكشاى تا بيرون روم
وتساقطت النجوم في أيام بعض الأمراء فخاف من ذلك وأحضر المنجمين والعلماء فما أجابوا بشيء فقال جميل الشاعر :
هذي النجوم تساقطت
لرجوم أعداء الأمير فتفاءل به وأمر له بصلة حسنة ولا بأس بأن يتفاءل بالفأل الحسن، وكان النبي عليه السلام يحب الفأل ويكره الطيرة، والفأل الحسن هي الكلمة الصالحة يسمعها من أخيه نحو أن يسمع أحد وهو طالب أمر يا واجد يا نجيح أو يكون في سفر فيسمع يا راشد، يعني : يا واجد الطريق المستقيم أو مريضاً فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالأمور المشروعة مشروع والطيرة منهي عنها.
والفرق بين الفأل والطيرة : مع أن كل واحد منهما استدلال بالأمارة على مآل الأمر وعاقبته أن الأرواح الإنسانية أقوى وأصفى من الأرواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التي تجري على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير وحركات البهائم فإن أرواحها ضعيفة فلا يمكن الاستدلال بها على شيء من الأحوال.
ويروى أن النبي عليه السلام "حول رداءه في الاستسقاء" وذكر في "الهداية" إنه كان تفاؤلاً يعني قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه فقال :"ابسط رداءك" فبسطته ففرق بيديه ثم قال :"ضمه" فضممته فما نسيت شيئاً بعده"، وهذا البسط والفرق والضم ليس إلا تفاؤلاً وإلا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعني كما بسطت ردائي توقياً لما يسقط فيه فكذلك أصغيت سمعي لما يقع فيه من الكلام، وكما أعطيت شخصاً كثيراً من الرزق يفرق بين اليدين فكذا أعطيته شيئاً كثيراً من العلم، وكما يؤمن بالضم من سقوط ما في الرداء كذلك يؤمن من خروج ما في السمع أو نسيان ما في الخاطر فبعض الأوضاع يدل على بعض الأحوال كما أن بعض الأسماء يدل على بعض الأمور، كما حكي أن عمر رضي الله عنه قال لرجل : ما اسمك؟ قال جمرة، قال ابن من قال ابن شهاب، قال من أين؟ قال : من الخرقة، قال أين تسكن؟ قال : في الحرة وهي أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت فقال عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا، وأراد عمر رضي الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال : ظالم بن سراق فقال : تظلم أنت ويسرق أبوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الأسماء القبيحة بالأسماء الحسنة فإن في الأسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلام :"لا تمارضوا فتمرضوا" يعني أن من أظهر المرض، وقال : أنا مريض فهذا القول والفعل منه يتمر المرض ويؤاخذ به.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
كفت يغمبركه رنجورى بلاغ
برنج آرد تابميرد ون راغ
والله الهادي إلى الحسنات وهو دافع السيئات.
﴿وَقَالُوا﴾ أي : فرعون وقومه بعد ما رأوا
٢١٩