من شأن العصا والسنين ونقص الثمرات ﴿مَهْمَا﴾ اسم شرط يجزم فعلين كقولك مهما تفعل أفعل كأن قائلاً قال لك لا تقدر على أن تفعل ما أفعل فتقول له مهما تفعل أفعل ومحله الرفع على الابتداء وخبره فما نحن لك بمؤمنين، أي أيّ شيء وبالفارسية (هريزكه) ﴿تَأْتِنَا بِهِ﴾ تظهر لدينا وتحضره والضمير لمهما.
﴿مِّنْ ءَايَةٍ﴾ بيان لمهما وإنما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم ﴿لِّتَسْحَرَنَا بِهَا﴾ أي لتسحر بتلك الآية أعيننا وتسكرها، ﴿فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي : بمصدقين لك ومؤمنين بنبوتك ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾.
روي أن القوم لما عالجهم موسى بالآيات الأربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديداً فقال يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا وإن قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم عبرة فأرسل الله عليهم عقوبة لجرائمهم ﴿الطُّوفَانَ﴾ أي الماء الذي طاف بهم وأحاط وغشى أماكنهم وحرثهم من مطر أو سيل ﴿وَالْجَرَادَ﴾ في التفسير الفارسي (ملخ رنده).
وفي "حياة الحيوان" : الجراد البري إذا خرج من بيضته يقال له : الدباء فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث يسمى جراداً حينئذٍ وفي الحديث :"لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم" وهذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإفساد الزرع فإن تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره، ووقعت بين يدي النبي عليه السلام، جرادة فإذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند الله الأكبر ولنا تسع وتسعون بيضة، ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا وما فيها فقال النبي عليه السلام :"اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها وأمت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم إنك سميع الدعاء" فجاء جبرائيل عليه السلام فقال : إنه قد استجيب لك في بعضه.
وعن حسن بن علي : كنا على مائدة نأكل أنا وأخي محمد بن الحنفية وبنو عمي عبد الله وقثم والفضل بن العباس فوقعت جرادة على المائدة فأخذها عبد الله، وقال لي ما مكتوب على هذه؟ فقلت سألت أبي أمير المؤمنين عن ذلك فقال سألت عنه رسول الله فقال مكتوب عليها أنا الله لا إله إلا أنا رب الجراد ورازقها وإن شئت بعثتها رزقاً لقوم وإن شئت بعثتها بلاء على قوم فقال عبد الله هذا من العلم المكنون" وليس في الحيوان أكثر فساداً لما يقتاته الإنسان من الجراد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
وأجمع المسلمون على إباحة أكله، قال الأربعة : يحل أكله سواء مات حتف أنفه أو بذكاة أو باصطياد مجوس أو مسلم قطع منه شيء أو لا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام :"أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد" وإذا تبخر إنسان بالجراد البري نفعه من عسر البول.
وقال ابن سينا : إذا أخذ منها اثنا عشر ونزعت رؤوسها وأطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه.
وأما الجراد البحري فهو من أنواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيراً مشوياً ومطبوخاً ولحمها نافع للجذام.
﴿وَالْقُمَّلَ﴾ في التفسير الفارسي (ملخ ياده) وقيل : هو كبار القردان وهو جمع قراد يقال له بالتركي "كنه" مسلط على البعير وفي الأمثال أسمع من قراد وذلك أنه يسمع صوت أخفاف الإبل من مسيرة يوم فيتحرك لها وقيل : هو السوس الذي يخرج من الحنطة وقيل : إنه
٢٢٠
شيء يقع في الزرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهي غضة قبل أن تقوى فيطول الزرع ولا سنبل له وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد به القمل المعروف الذي يقع في بدن الإنسان وثوبه وإذا ألقيت القملة حية أورثت النسيان.
قال الجاحظ : وفي الحديث :"أكل الحامض، وسؤر الفار، ونبذ القمل يورث النسيان" وإذا أردت أن تعلم هل المرأة حامل بذكر أو أنثى فخذ قملة واحلب عليها من لبنها في كف إنسان فإن خرجت من اللبن فهي جارية وإن لم تخرج فهو ذكر وإن حبس على إنسان بوله فخذ قملة من قمل بدنه واجعلها في إحليله فإنه يبول من وقته، والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوباً أو ريشاً أو شعراً حتى يصير المكان عفناً.
قال الجاحظ : وربما كان للإنسان قمل الطباع وإن تنطف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حين استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في لباس الحرير فأذن لهما فيه ولولا أنهما كانا في حد ضرورة لما أذن لهما لما في ذلك من التشديد فيجوز لبس الثوب الحرير لدفع القمل لأنه لا يقمل بالخاصية.
قال في "أنوار المشارق" : والأصح أن الرخصة لا تختص بالسفر انتهى.
وفي "الواقعات المحمودية" : أن القمل يكون من البرودة ولذلك يكثر في الشتاء ولا يكون في الصيف.