قال السيوطي : ولم يقع على ثيابه عليه السلام ذباب قط ولا أذاه القمل.
﴿وَالضَّفَادِعَ﴾ جمع ضفدع مثل خنصر وهو الأشهر الصحيح من حيث اللغة والأنثى ضفدعة وناس يقولون بفتح الدال كدرهم، وأنكره الخليل حيث قال : ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجدم وهبلع وبلعم وهو اسم والضفادع أنواع كثيرة ويكون من سفاد وغير سفاد فالذي من سفاد يبيض في البر ويعيش في الماء والذي من غير سفاد يتولد في المياه القائمة الضعيفة الجري ومن العفونات وغب الأمطار الغزيرة حتى يظن أنه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الأسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وأنثى، وإنما الله تعالى يخلقه في تلك الساعة من طباع تلك التربة وهي من الحيوانات التي لا عظام لها وفيها ما ينق وفيها مالا ينق والذي ينق منها يخرج صوته من قرب أذنه وتوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق وكانت خارج الماء، وإذا أرادت أن لا تنق أدخلت فكها الأسفل في الماء ومتى دخل الماء في فيها لا تنق وما أظرف قول بعض الشعراء وقد عوتب في كلامه :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
قالت الضفدع قولاً
فسرته الحمكاء
في فمي ماء وهل
ينطق من في فيه ماء قال سفيان : يقال إنه ليس شيء أكثر ذكراًمنه.
قال الزمخشري : تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس.
روي أن داود عليه السلام قال : لأسبحن الله الليلة تسبيحاً ما سبحه أحد من خلقه فنادته ضفدع من ساقية في داره يا داود أتفخر على الله تعالى بتسبيحك وإن لي لسبعين سنة ما جفّ لي لسان من ذكر الله وإن لي لعشر ليال ما طعمت خضراء ولا شربت ماء اشتغالاً بكلمتين، قال : ما هما قالت يا مسبحاً بكل لسان ومذكوراً بكل مكان، فقال داود في نفسه : وما عسى أن أكون أبلغ من هذا.
وعن أنس "لا تقتلوا الضفادع فإنها مرت بنار إبراهيم عليه السلام فحملت في أفواهها الماء وكانت ترشه على النار".
وقال ابن سينا : إذا كثرت الضفادع في سنة وزادت
٢٢١
على العادة يقع الوباء عقيبه.
وفي "الواقعات المحمودية" : تعبير الضفدع أنه نقصان خفي فإنه يذكر أنه كان في الأصل كيالاً فلأجل نقصانه في الكيل أدخل فيه، ومن خواصه أنه إذا أخذت امرأة ضفدع الماء وفتحت فاه وبصقت فيه ثلاث مرات ورمته إلى الماء فإنها لا تحبل ودمه إذا طلي به الموضع الذي نتف شعره لم ينبت أبداً، وشحم الضفادع الإجامية إذا وضع على الأسنان قلعها من غير وجع.
قال القزويني : ولقد كنت بالموصل ولنا صاحب في بستان بنى مجلساً وبركة فتولدت فيها الضفادع وتأذى سكان المكان بنقيقها وعجزوا عن إبطاله حتى جاء رجل وقال اجعلوا طشتاً على وجه الماء مقلوباً ففعلوا فلم يسمعوا لها نقيقاً بعد ذلك.
﴿وَالدَّمَ﴾.
روي إنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يستطيع أن يخرج واحد من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم وهي جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر، والعاتق وهو موضع الرداء من المنكب ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منه قطرة مع أنها كانت مختلطة ببيوت القبط فاض الماء على أرضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام سبعة أيام، فقالوا له عليه السلام : ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشف عنهم فنبت من العشب والكلاء ما لم يعهد مثله فقالوا هذا كنا نتمناه وما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصباً، فلا والله لا نؤمن بك يا موسى فنقضوا العهد وأقاموا على كفرهم شهراً فبعث الله عليهم الجراد بحيث وقع على الأرض بعضه على بعض ذراعاً فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منه شيء ففزعوا إليه عليه السلام كما ذكر فخرج إلى الصحراء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع إلى النواحي التي جاء منها بعد أن أقام في أرضهم سبعة أيام فلم يبق جرادة واحدة ثم نظروا فإذا في بعض المواضع من نواحي مصر بقية كلاء وزرع فقالوا هذا يكيفنا بقية عامنا هذا فلا والله لا نؤمن بك فسلط الله عليهم القمل فمكث في أرضهم سبعة أيام فلم يبق لهم عوداً أخضر ولحس جميع ما في أراضيهم مما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين ثيابهم وجلودهم فيمصها وينهشهم ويأكل شعورهم وحواجبهم وأشفار عيونهم ومنعهم النوم والقرار وظهر بهم منه الجدري.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧


الصفحة التالية
Icon