قال الحدادي في "تفسيره" : هم أول من عذبوا بالجدري وبقي في الناس إلى الآن ثم فزعوا إليه عليه السلام ثالثاً فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الآن أنك ساحر قالوا وما عسى ربك أن يفعل بنا وقد أهلك كل شيء من نبات أرضنا فعلى أي شيء نؤمن بك اذهب فما استطعت أن تفعل فافعله ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه وكانت تمتلىء منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم، وهي تغلي وإلى أفواههم عند التكلم وكان بعضهم لا يسمع كلام بعض من كثرة صراخ الضفادع، وكانوا إذا قتلوا واحداً منها خافوا ما حول محله حتى لا يستطيعون الجلوس فيه ففزعوا إليه رابعاً وتضرعوا فأخذ عليهم العهود فدعا فكشف الله عنهم بريح عظيمة نبذتها في البحر فنقضوا العهد، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياههم وآبارها وأنهارها دماً أحمر عبيطاً، حتى كان يجتمع القبطي والإسرائيلي على إناء فيكون ما يليه دماً وما يلي الإسرائيلي ماء على حاله ويمص الماء من فم الإسرائيلي فيصير دماً فيه.
٢٢٢
قوم موسى شو بخور اين آب را
صلح كن بامه ببين مهتاب را
ثم إن فرعون أجهده العطش وكانوا يأتونه بأوراق الأشجار الرطبة فيمصها فتصير دماً عبيطاً أو أجاجاً وكانوا لا يأكلون ولا يشربون سبعة أيام إلا الدم فقال فرعون أقسم بإلهك يا موسى لئن كشفت عنا هذا الدم لنؤمنن لك فدعا فعذب ماؤهم فعادوا لكفرهم إلى أن كان من أمر الغرق ما كان ﴿مُفَصَّلَـاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا﴾ حال من مفعول أرسلنا أي أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات وعلامات مبينات لا يشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته، وقيل معنى مفصلات مفرقات ومنفصلات بأن فصل بعضها عن بعض بزمان لامتحان أحوالهم هل يعتبرون أو يستمرون على المخالفة والعناد وما كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة منها أسبوعاً.
﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ أي : تعظموا عن الإيمان بها.
﴿وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ (كروهى مجرم يعني معاندرر كفركه باوجدو تظاهر آيات وتتابع آن ايمان نياوردند).
﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ﴾ أي : العذاب المذكور من الطوفان وغيره، أي كلما وقع عليهم عقوبة من تلك العقوبات.
﴿قَالُوا﴾ في كل مرة يا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} الباء صلة لادع وما مصدرية، والمراد بالعهد النبوة أي ادع لنا ربك يكشف عنا العذاب بحق ما عندك من عهد الله تعالى، وهو النبوة فإن حق النبوة ومقتضاها أن يدعو النبي، لأمته لدفع ما أصابهم من البلايا والمحن سميت النبوة عهداً للمبالغة في كونها معهوداً بها فإنه تعالى لما بعثه رسولاً وأوصاه بتحمل أعباء الرسالة وميثاق التبليغ فقد جعلت النبوة مما أوصى به وعهده فجعلت نفس العهد للمبالغة في كونها معهوداً بها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
وفي "التفسير الفارسي" :﴿بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ (بآنه عهدكرده وآن عهد نزديك تست يعني خداى توباتو وعده كرده كه ون اورا بخوانى اجابت كند) فما موصولة عبر بها عما يدعو به المتضرع إلى الله تعالى في طلب حاجته والباء أيضاً صلة لأدع.
﴿لَئِن كَشَفْتَ﴾ أي :(بازبرى وزائل كردانى) ﴿عَنَّا الرِّجْزَ﴾ الذي وقع علينا.
﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ إلى موطن آبائهم وهو الأرض المقدسة ولنطلقنهم من التسخير والأعمال الشاقة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٧
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَـالِغُوهُ﴾ أي : إلى حد من الزمان معذبون فيه أو مهلكون وهو وقت الغرق وإلى أجل متعلق بقوله لما كشفنا وقوله هم بالغوه في محل الجر على أنه صفة لأجل.
﴿إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ جواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجؤوا النكث من غير تأمل وتوقف والنكث بالفارسي (عهد شكستن) ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ الفاء لسببية النكث للانتقام والعقاب وأريد بالانتقام العقاب الواقع على مجازاة السيئة بالسيئة وإنما أسند الانتقام إلى ذاته لأن الأنبياء وكمل الأولياء كانوا فانين عما سوى الله باقين بالله فكان الله خليفتهم في أخذ الانتقام من أعدائهم.
والمعنى فأردنا الانتقام منهم أي من فرعون وقومه لما أسلفوا من المعاصي والجرائم فإن قوله تعالى :﴿فَأَغْرَقْنَـاهُمْ﴾ عين الانتقام منهم فلا يصح دخول الفاء بينهما فأطلق اسم المسبب على السبب تنبيهاً على أن الانتقام لم ينفك عن الإرادة ويجوز أن يكون المراد مطلق الانتقام.
والفاء تفسيرية كما في قول تعالى :﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّه فَقَالَ رَبِّ﴾ الخ ﴿فِي الْيَمِّ﴾ أي في البحر الذي لا يدرك قعره
٢٢٣
أو في لجته ولجة البحر معظم مائه.
قال الحدادي : في اليم، أي : في البحر بلسان العبرية وهي لغة اليهود.