وفي "التفسير الفارسي" :﴿فِي الْيَمِّ﴾ (در درياى قلزم بنزديك مصر) وذلك أن الله تعالى أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فاستعار نسوة بني إسرائيل من نساء آل فرعون حليهم وقلن إن لنا خروجاً إلى عيد فخرج ببني إسرائيل في أول الليل وهم ستمائة ألف من رجل وامرأة وصبي فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه ألف ألف ومائتا ألف، فأدركهم فرعون حين طلعت الشمس وانتهى موسى إلى البحر فضرب البحر فانفلق اثني عشر طريقاً، وكانت بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً فعبر كل سبط طريقاً فأقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعاً في البحر أمر الله البحر فالتطم عليهم فغرقوا.
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ﴾ تعليل للإغراق أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات التسع التي جاء بها موسى وإعراضهم عنها وعدم تفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية، والفاء وإن دلت على ترتيب الإغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذاناً بأن مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله والإعراض عنها ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم والإعراض عنها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٣
﴿وَأَوْرَثَنَا﴾ (ميراث داديم) ﴿الْقَوْمِ الَّذِينَ﴾ يعني : بني إسرائيل والقوم مفعول أول لأورثنا ﴿كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ أي : يستضعفهم القبط ويقهرونهم ويستذلونهم بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد ﴿مَشَـارِقَ الارْضِ وَمَغَـارِبَهَا﴾ مفعول ثاني لأورثنا والأرض أرض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا في نواحيها ﴿الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا﴾ بالخصب وسعة الأرزاق صفة للمشارق والمغارب.
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى﴾ المراد بالكلمة وعده تعالى إياهم بالنصر والتمكين وهو ما ذكره بقوله :﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَاـاِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الارْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص : ٥، ٦) وتمامها مضيها وانتهاؤها إلى الإنجاز لأن العدة بالشيء التزام لإيقاعه بالعبارة واللسان وتمامها لا يكون إلا بوقوع الموعود في الخارج والعيان.
﴿عَلَى بَنِى إسرائيل بِمَا صَبَرُوا﴾ أي : بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعون وقومه.
﴿وَدَمَّرْنَا﴾ أي : خربنا وأهلكنا.
﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ من العمارات والقصور، أي : ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه على أن فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف، وقيل اسم كان ضمير عائد إلى ما الموصولة ويصنع مسند إلى فرعون والجملة خبر كان والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذي كان يصنعه فرعون :﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ أي يرفعون من الجنات، أي : الكروم والأشجار.
قال في "زبدة التفاسير" : العرش سقف في الكروم والأشجار وأشارت الآية إلى أن العزيز من أعزه الله والذليل من أذله الله ومن صبر على مقاساة الذل في الله توجه بتاج العزة وجعل له حسن العاقبة والله تعالى كما وعد لبني إسرائيل وأنجز وعده فاستخلفهم في مشارق الأرض ومغاربها كذلك وعد لهذه الأمة، كما قال تعالى في سورة النور :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (النور : ٥٥) والمراد بالأرض : أرض الكفار من العرب والعجم
٢٢٤
والمراد بالذين من قبلهم بنو إسرائيل وفي الحديث :"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلع ما زوى لي منها" يقول : إن الله تعالى جمع وضم جميع هذه الأرض ليلة المعراج أو في غير ذلك الوقت، فرأيت جميع آفاق الأرض من المشارق والمغارب ثم وعد أمته بأن الله تعالى يملأ الدنيا كلها عدلاً وقسطاً كما ملئت قبل ذلك جوراً وظلماً ويملك المؤمنين جميع الأرض هذا على تقدير حمل اللام في الأرض على الاستغراق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٣
وقيل : اللام للعهد الخارجي كما إذا قيل أغلق الباب إذا كان مشاهداً، ومن للتبيين ولا دليل على جمع جميع الأرض ولم يبلغ ملك أمته جميع أجزائها فأي موضع من الأرض وقع نظره عليه السلام عليه كان دار الإسلام وأي مكان كان محجوباً عنه كان دار الكفر والله أعلم بحقيقة الحال ومنه الكرم والنوال وإليه الرجوع والمآل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٣