﴿وَجَـاوَزْنَا بِبَنِى إسرائيل الْبَحْرَ﴾ فاعل بمعنى فعل يقال : جاوز وجاز بمعنى واحد، وجاوز الوادي إذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبر به، فالباء هنا معدية كالهمزة والتشديد، فكأنه قال وجزنا ببني إسرائيل البحر أي أجزناهم البحر وجوزناهم بالفارسية (وبكذرانيديم بنى إسرائيل را از دريا بسلامت) والمراد بحر القلزم وأخطأ من قال إنه نيل مصر.
قال في "القاموس" : القلزم : كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور وإليه يضاف بحر القلزم ؛ لأنه على طرفه أو لأنه يبتلع من ركبه لأن القلزمة الابتلاع.
روي أنه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء فصاموا شكراًتعالى.
﴿فَـاَاتُوا﴾ أي : مروا ﴿عَلَى قَوْم﴾ كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين أمر موسى عليه السلام بقتالهم وقيل : كانوا من لخم وهو حي من اليمن ومنهم كانت ملوك العرب في الجاهلية.
وعن الزمخشري : إنه قبيلة بمصر ﴿يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ أي : يواظبون على عبادتها ويلازمونها.
قال في "تاج المصادر" : العكوف (كرد يزى در آمدن ودر جايى مقيم شدن) يقال : عكفه حبسه وعكف عليه أقبل عليه مواظباً.
﴿قَالُوا﴾ عند ما شاهدوا أحوالهم يا مُوسَى اجْعَل لَّنَآ إِلَـاهًا} مثالاً نعبده ﴿كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ﴾ يعبدونها، والكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لإلهاً وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا إلهاً كائناً كالذي استقر هو لهم فالعائد محذوف وكانت أصنامهم تماثيل بقر وهو أول شأن العجل.
﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ وصفهم بالجهل المطلق حيث لم يذكر المفعول لبعد ما صدر عنهم عن العقل بعد ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزة العظمى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿إِنَّ هَـاؤُلاءِ﴾ يعني : القوم الذين يعبدون تلك التماثيل.
﴿مُتَبَّرٌ﴾ اسم مفعول من باب التفعيل يقال تبره تتبيراً، أي : كسره وأهلكه والمعنى مكسر ومهلك.
﴿مَّا هُمْ فِيهِ﴾ أي من الدين الباطل.
يعني إن الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه عن قريب ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضاً أي فتاتاً، قوله : ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له ويجوز أن يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند إليه.
﴿وَبَـاطِلٌ﴾ أي : مضمحل بالكلية ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من عبادتها وإن كان قصدهم بذلك التقرب إلى الله تعالى فإنه كفر محض.
﴿قَالَ﴾ موسى ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ أغير المستحق للعبادة ﴿أَبْغِيكُمْ﴾ بحذف اللام، أي : أبغي لكم، أي : أطلب لكم ﴿إِلَـاهًا﴾ تمييز من غير
٢٢٥
أو حال فإنه مفعول أبغي والهمزة فيه للإنكار والمنكر هو كون المبغي غيره تعالى.
﴿وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾ أي : والحال أنه تعالى خصكم بنعم لم يعطها غيركم وهي الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة وإنما لم يحصل مثلها لأحد من العالمين.
قال الحدادي : على عالمي زمانكم من القبط وغيرهم بعدما كنتم مستعبدين أذلاء وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله إياهم من بين أمثالهم بما لم يستحقوه تفضلاً بأن قصدوا إلى أخس شيء من مخلوقاته تعالى فجعلوه شريكاً له تعالى.
قال الحافظ :
همايى ون توعا لى قدر حرص استخوان تاكى
دريغ آن سايه دولت كه بر نا هل افكندى
فتبا لمن لا يعرف قدره ويعلق همته بما لا ينبغي له.
خلق را نيست سيرت دران
همه برسيرت زمانه روند
ثم ذكر نعمة الإنجاء وما يتبعه فقال تعالى :
﴿وَإِذْ أَنجَيْنَـاكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَونَ﴾ أي : واذكروا يا بني إسرائيل صنيعة الله معكم في وقت إنجائكم وتخليصكم من أيدي آل فرعون بإهلاكهم بالكلية ثم استأنف ببيان ما أنجاهم منه فقال :﴿يَسُومُونَكُمْ سُواءَ الْعَذَابِ﴾ أي : يبغونكم أشد العذاب وأفظعه من سام السلعة إذا طلبها ثم أبدل منه وبين فقال :﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ أي : يذبحونهم ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ أي : يستبقونهن للاستخدام.
﴿وَفِى ذَالِكُم﴾ أي : الإنجاء أو سوء العذاب ﴿بَلاءً﴾ أي نعمة أو محنة، فإن البلاء يطلق على كل واحد منهما قال تعالى :﴿وَبَلَوْنَـاهُم بِالْحَسَنَـاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ (الأعراف : ١٦٨) ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ من مالك أموركم فإن النعمة والنقمة كلتيهما منه سبحانه وتعالى ﴿عَظِيمٌ﴾ لا يقادر قدره، تقدم الكلام على الإنجاء وفضيلة عاشوراء في سورة البقرة فليطلب ثمة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٥