والإشارة : أن بني إسرائيل صفات القلب كانت معذبة في مصر القالب وصفاتها فلما خلصها الله تعالى من بحر الدنيا وفرعون النفس :﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ﴾ أي : وصلوا إلى صفات الروح ﴿يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ من المعاني المعقولة والمعارف الروحانية فاستحسنوها وأرادوا العكوف على عتبة عالم الأرواح.
﴿قَالُوا﴾ لموسى الوارد الرباني الذي جاوز بهم بحر الدنيا.
يا مُوسَى اجْعَل لَّنَآ إِلَـاهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ} يشير إلى أنه لولا أن فضل الله ورحمته على العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب إلى أن يبلغه إلى المقصد الأعلى لكان العبد يركن إلى كل شيء من حسائس الدنيا فضلاً عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر عليه السلام :﴿وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَـاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـاًا قَلِيلا﴾ (الإسراء : ٧٤) ﴿قَالَ﴾ لهم موسى الوارد الرباني عند ركونهم إلى الروحانية ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ قدر الله وعنايته معكم.
﴿إِنَّ هَـاؤُلاءِ﴾ يعني : صفات الروح ﴿مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ﴾ من الركون والعكوف على استجلاء المعاني المعقولة والمعارف الروحانية.
﴿وَبَـاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في غير طلب الحق والوصول إلى المعارف الربانية.
﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـاهًا﴾ أي : أنزلكم منزلاً غير الوصول والوصال.
﴿وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾ من الحيوانات والجن والملك تفضيل العبور من الجسمانيات والروحانيات والوصول إلى المعارف والحقائق الإلهيات ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَـاكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ﴾ يعني : من النفس وصفاتها ﴿يَسُومُونَكُمْ سُواءَ الْعَذَابِ﴾ أي : سوء عذاب البعد ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ أي يبطلون أعمالكم الصالحة التي هي متولدات من صفات القلب بآفة الرياء
٢٢٦
والعجب النفساني.
﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ يعني : صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها ﴿وَفِى ذَالِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ يعني : فكان في استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بأن تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه، فلا تركنوا إلى الروحانية وإلى المعقولات لكي تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٥
وعن بعض الكبار : أول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه، وأول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه، وأول درجات القرب محو شواهد النفس وإثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فإنها لا غاية لها، ومن طلب الله عز وجل وجده بأول خطوة يقصده بها.
قال الحافظ :
غرض زمسجد وميخانه ام وصال شماست
جز اين خيال ندارم خدا كواه منست
قال بعض الصالحين : عرضت عليّ الدنيا بزينتها فأعرضت عنها، ثم عرضت الأخرى بحورها وقصورها وزينتها فأعرضت عنها، فقيل لي لو أقبلت على الأولى حجبناك عن الأخرى ولو أقبلت على الأخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك في الدارين تأتيك.
وقال أحمد بن حضرويه : رأيت رب العزة في المنام فقال لي يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه يطلبني.
وقال إبراهيم بن أدهم : رأيت جبريل عليه السلام في المنام وبيده قرطاس فقلت ما تصنع به قال : أكتب أسماء المحبين فقلت : اكتب تحتهم محب المحبين إبراهيم بن أدهم فنودي يا جبريل اكتبه في أولهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٥
﴿وَوَاعَدْنَا﴾ الوعد عبارة عن الإخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها.
﴿مُوسَى﴾ اسم أعجمي لا اشتقاق فيه وأما موسى الحديد فهو مفعل من أوسيت رأسه إذا حلقته أو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه فسميت موسى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الخلق.
﴿ثَلَـاثِينَ لَيْلَةً﴾ )سى شبانه روز ون مدار حساب شهور عرب برؤية هلالست وآن بشب مرئي ميشود تاريخ را بشب مقيد كرد) وثلاثين مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف أي تمام أو مكث ثلاثين.