قال المولى أبو السعود رحمه الله : الإفاقة رجوع العقل والفهم إلى الإنسان بعد ذهابهما بسبب من الأسباب.
﴿قَالَ﴾ تعظيماً لما شاهده.
﴿سُبْحَـاـنَكَ﴾ أي : تنزيهاً لك من أن أسألك بغير إذن منك.
﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ أي : من الجراءة والإقدام على السؤال بغير إذن أو من السؤال في الدنيا فإنك إنما وعدتها في الآخرة.
﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي : بعظمتك وجلالك أو أول من آمن بإنك لا ترى في الدنيا (اي كه زيك لمعه ات كوه بصد اره شد ه عجب ازمشت كل عاجز وبياره شد).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
قال وهب بن إسحاق : لما سأل موسى ربه الرؤية أرسل إليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق، وأحاطت بالجبل الذي عليه موسى أربعة فراسخ من كل جانب وأمر الله عز وجل ملائكة السموات أن يعرضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد، ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية أن اهبطوا على موسى فهبطوا عليه أمثال الأسود ولهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع موسى مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة في رأسه وجسده، ثم قال : لقد ندمت على مسألتي فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه شيء فقال له خير الملائكة ورأسهم يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا على موسى فهبطوا عليه أمثال النسور لهم لجب شديد وأفواههم تنبع بالتسبيح
٢٣٥
والتقديس كجلبة الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وأيس من الحياة، وقال له خير الملائكة : مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة فهبطوا ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتقديس لا يشبههم شيء من الذين مروا به قبلهم فاصطكت ركبتاه وارتدع قلبه واشتد بكاؤه، فقال له رئيس الملائكة : اصبر يا ابن عمران لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة فهبطوا ولهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى أن يتبعهم بصره ولم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفاً واشتد حزنه وكثر بكاؤه، فقال له خير الملائكة : يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة فهبطوا وفي يد كل ملك منهم نار مثل النخلة الطويلة أشد ضوءاً من الشمس ولباسهم كلهب النار كلهم، يقولون : بشدة أصواتهم سبوح قدوس رب العزة أبداً لا يموت في رأس كل ملك منهم أربعة أوجه فجعل يسبح موسى معهم وهو يبكي ويقول رب اذكرني ولا تنس عبدك فقال كبير الملائكة يا ابن عمران اصبر لما سألت ثم أمر الله أن يحمل عرشه في السماء السابعة وقال أروه إياه فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السموات جميعاً أصواتهم يقولون سبحان الله القدوس رب العزة أبداً لا يموت فاندك الجبل وكل شجرة كانت فيه وخر موسى على وجهه ليس معه روح فأرسل الله برحمته الروح فتغشاه وقلب الحجر الذي عليه موسى وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ثم أقامه كما تقيم الأم جنينها إذا وضعته فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول آمنت بك رب وصدقت أنه لا يراك أحد في الدنيا فيحيا من نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت رب الأرباب وملك الملوك لا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء تبت إليك الحمد لك لا شريك لك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
قال في "التيسير" : قد روي في هذا أحاديث فيها ذكر نزول الملائكة والتعنيف على موسى بما سأل ولكن ليس ورودها على وجه يصح ولا يجوز قبولها لأنها لا تليق بحال الأنبياء انتهى.
قال بعض المحققين من أرباب المكاشفة : إن موسى عليه السلام طلب رؤية ذاته تعالى مع هوية نفسه حيث قال :﴿رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ مشيراً إلى هويته بصيغة المتكلم فرد الله تعالى بقوله :﴿لَن تَرَانِى﴾ أي مع بقاء هويتك التي تخاطب بها ﴿وَلَـاكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ أي بذاتك وهويتك ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ ولم يكن فانياً ﴿فَسَوْفَ تَرَانِى﴾ بهويتك ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّه لِلْجَبَلِ﴾ أي ألقى عليه من نوره فاضطرب بدنه من رهبته ﴿جَعَلَه دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ وفني عن هويته فرأى الحق بعين الحق ﴿فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـانَكَ تُبْتُ﴾ الآن من مسألة الرؤية مع بقاء الهوية.


الصفحة التالية
Icon