وقيل : قد دنا اصبر قليلاً قليلاً ولما منع النظر رجع إلى رأس الأمر فقال تبت إليك إن لم تكن الرؤية التي هي غاية الرتبة من رأس الأمر وهو التوبة ثم هذا إناخة لعقوق العبودية وشرطها أن لا تبرح عن محل الخدمة إن حال بينك وبيني وجود القربة لأن القربة حظ نفسك والخدمة حق ربك ولأن تكون بحق ربك أتم من أن تكون بحظ نفسك كذا في "تفسير التيسير" نقلاً عن القشيري.
ذكر بعضهم : أن رؤية الله تعالى ممكنة في الدنيا.
قال حضرة الشيخ الشهير بأفتاده أفندي : الرؤية في الآخرة موعود وأما في الدنيا وإن كانت في حيز الإمكان لكنها غير موعودة ولم تجر عادة الله عليها انتهى.
وقد ذكرنا موانع الرؤية في سورة البقرة وأنواع الرؤية في سورة الأنعام.
وفي "الواقعات المحمودية" : سأل بعض الكبار من العلماء وقال الذي لا زمان له ولا مكان في أي مكان والأدب في السؤال أن يقال المنزه ذاته عن الزمان والمكان بأي وجه يطلب وبأي طريق يوجد ويوصل إليه وكذا الأدب في الجواب أن يقال من أراد رؤية جماله فلينظر في قلوب أوليائه فإن قلوبهم مظاهر ومرايا لجماله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
واعلم : أن المعتزلة أنكروا رؤية الله تعالى حتى قال صاحب "الكشاف" تشنيعاً وتقبيحاً وتضليلاً لأهل السنة والجماعة ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهباً ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فإنه من مصوبات أشياخهم والقول ما قال بعض العدلية فيهم :
لجماعة سموا هواهم سنة
لكنهم حمر لعمري مؤكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا
شنع الورى فتستروا بالبلكفه وقال بعضهم جواباً عنهم :
عجباً لقوم ظالمين تلقبوا
بالعدل ما فيهم لعمري معرفه
قد جاءهم من حيث لا يدرونه
تعطيل ذات الله مع نفي الصفه قال المولى إبراهيم الأروسقى :
رضينا كتاب الله للفصل بيننا
وقول رسول الله أوضح فاصل
وتحريف آيات الكتاب ضلالة
وليس بعدل رد نص الدلائل
وتضليل أصحاب الرسول وذمهم
وتصويب آراء النظام وواصل
ولو كان تكذيب الرسول عدالة
فأعدل خلق الله عاص بن وائل
فلولاك جار الله من فرقة الهوى
لكنت جديراً باجتماع الفضائل
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
﴿قَالَ﴾ الله تعالى لموسى حين قال تبت إليك وأنا أول المؤمنين.
يا مُوسَى} إن منعتك الرؤية لصلاح حالك وبقاء ذاتك فلا تكن مغموماً محزوناً لذلك ﴿إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ﴾ أي : اخترتك واتخذتك قوة وآثرتك ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ أي : الموجودين في زمانك وهارون وإن كان نبياً وأكبر منه سناً كان مأموراً باتباعه وما كان كليماً ولا صاحب شرع أو على الناس جميعاً لأن الرسالة مع الكلام لم يحصل هذا المجموع لغيره وإنما قال على الناس ولم يقل على الخلق لأن الملائكة قد سمعوا كلامه تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام.
﴿بِرِسَـالَـاتِي﴾ جمع الرسالة وهي في الأصل مصدر بمعنى الإرسال، والمراد به هنا الشيء المرسل به إلى الغير
٢٣٨
وهو أسفار التوراة جمع سفر بمعنى الكتاب يقال سفره إذا كتبه وألواح التوراة أسفار من حيث إنها كتب فيها التوراة ﴿وَبِكَلَـامِي﴾ أي : وبتكلمي إياك بلا واسطة، وقيل المضاف محذوف أي وسماع كلامي وهذا يرد قول من يقول إن السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام الله تعالى لأن في الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٨