واعلم : أن كل نبي قد اصطفاه الله على الخلق بنوع أو نوعين أو أنواع من الكمال عند خلقته وركب في ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح، وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وأمته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللهم اجعلني من أصحابه.
روي أنه لما كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف مخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل، وقد أسند ظهره إلى صخرة من الجبل فقال الله يا موسى إني قد أقمتك مقاماً لم يقمه أحد قبلك ولا يقومه أحد بعدك وقربتك نجياً فقال موسى عليه السلام يا رب فلم أقمتني هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى إلهي أقريب فأناجيك أم بعيد فأناديك قال يا موسى أنا جليس من ذكرني وكان موسى عليه السلام بعدما كلمه الله تعالى لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات.
ويروى أن امرأته قالت له : أنا أيم منك أي كأني بلا زوج منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فأخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة قال ذاك إن لم تتزوجي بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها.
وقيل : إن الرجل إذا تبكر بالمرأة تزوجها في الجنة.
وقيل : إنها تكون لأحسن أزواجها خلقاً ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلّم تحريم أزواجه اللاتي توفى عنهن على غيره أبداً.
﴿فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ﴾ أي : أعطيتك من شرف النبوة والحكمة ﴿وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ﴾ على النعمة.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ﴾ يعني ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة ﴿وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ﴾ فإن الشكر يبلغك إلى ما سألت من الرؤية لأن الشكر يستدعي الزيادة لقوله تعالى :﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ﴾ والزيادة هي الرؤية لقوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ وقال عليه السلام :"الزيادة هي الرؤية والحسنى هي الجنة" ﴿وَكَتَبْنَا﴾ (ونوشتيم ما يعني قلم أعلى را فرموديم كه كتابت كرد يا جبريل راك كفتيم كه بقلم ذكر امداد نهر النور نوشت) ﴿لَهُ﴾ (براى موسى) ﴿فِى الالْوَاحِ﴾ أي : في تسعة ألواح من الزمرد الأخضر وهو الأصح وفيها التوراة كنقش الخاتم طول كل لوح عشرة أذرع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٨
وفي "القاموس" : اللوح كل صفيحة عريضة خشباً أو عظماً جمعه ألواح.
روي أن سؤال الرؤية كان يوم عرفة وإعطاء التوراة يوم النحر.
﴿مِن كُلِّ شَىْءٍ﴾ مما يحتاجون إليه من أمور دينهم ﴿مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَىْءٍ﴾ بدل من الجار والمجرور ؛ لأنه في محل النصب على أنه مفعول كتبنا ومن مزيدة لا تبعيضية أي كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام.
قال مقاتل : كتب في الألواح إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئاً ولا تقطعوا السبيل ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين.
﴿فَخُذْهَا﴾ على إضمار القول عطفاً على كتبنا أي فقلنا خذها أي : الألواح.
٢٣٩
﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزيمة.
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ﴾ أي : على طريق الندب والحث على اختيار الأفضل ﴿يَأْخُذُوا﴾ أي : ليأخذوا ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾ الباء زائدة في المفعول به.
الأحسن العزائم والحسن الرخص يعني : ليعلموا أن ما هو عزيمة يكون ثوابه أكثر كالجمع بين الفرائض والنوافل والصبر بالإضافة إلى الانتصار وغير ذلك.
قال قطرب : أي بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى :﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ (العنكبوت : ٤٥) يا بني إسرائيل ﴿دَارَ الْفَـاسِقِينَ﴾ دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ومنازل عاد وثمود وأضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما أمرتم به من العمل بأحكام التوراة أو أرض مصر وأرض الجبابرة والعمالقة بالشام، ومعنى الإراءة الإدخال بطريق الإيراث فعلى الأول يكون وعيداً وترهيباً وعلى الثاني وعداً وترغيباً.
وفي الآية : إشارة إلى أن طلب الآخرة كان أحسن من طلب الدنيا كذلك طلب الله أحسن من طلب الآخرة فعلى العاشق أن يختار الأحسن، وقوله :﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَـاسِقِينَ﴾ يعني : الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنة ودار الخارجين من طلب الآخرة إلى طلب الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال الحافظ :
سايه طوبى ودلجويىء حورولب حوض
بهواى سركوى توبرفت ازيادم
نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست
ه كنم حرف دكر يا دنداد استادم