﴿سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَـاتِىَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ﴾ المراد بالآيات ما كتب في ألواح التوراة من المواعظ والأحكام وغيرها من الآيات التكوينية التي من جملتها ما وعد إراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لإصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر، والمعنى : سأطبع على قلوب الذين يعدون أنفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلاً فلا ينتفعون بآياتي التنزيلية والتكوينية المنصوبة في الأنفس والآفاق ولا يغتنمون بمغانم آثارها فلا تسلكوا يا بني إسرائيل مسلكهم فتكونوا أمثالهم ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ صلة للتكبر أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٨
قال ابن الشيخ : لما كان التكبر مؤدياً إلى الحرمان من الانتفاع بالآيات المذكورة وتضييعها كان المقصود من الآية تحذير بني إسرائيل عن التكبر المفضي إلى أن يصرفهم الله عن التفكر في الآيات والاهتداء بها حتى يأخذوا أحكام التوراة بجد ورغبة انتهى، فالآية متصلة بقصة بني إسرائيل ويحتمل أن تكون كلاماً معترضاً خلال قصتهم أخبر به رسول الله أنه حرم المتكبرين من أمته فهم معاني القرآن والتدبر فيها، كما قيل أبى الله تعالى أن يكرم قلوب الظالمين بتمكينهم من فهم حكمة القرآن والاطلاع على عجائبه.
حيفست نين كنج دران ويرانه†
﴿وَإِن يَرَوْا﴾ يشاهدوا ﴿كُلُّ ءَايَةٍ﴾ من الآيات كانت معجزة.
﴿لا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ أي : كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائهم إياها كما هي.
﴿وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا﴾ أي : لا يتوجهون إلى الحق ولا يسلكون سبيله أصلاً لاستيلاء الشيطنة عليهم ومطبوعيتهم على الانحراف والزيغ.
﴿وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا﴾ أي : يختارونه لأنفسهم مسلكاً مستمراً لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لأهوائهم الباطلة وإفضائه بهم إلى
٢٤٠
شهواتهم.
﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما ذكر من تكبرهم وعدم إيمانهم بشيء من الآيات، وإعراضهم عن سبيل الرشد وإقبالهم التام على سبيل الغي.
﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي : حاصل بسبب أنهم ﴿كَذَّبُوا بآياتنا﴾ الدالة على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية أضدادها وهي الآيات المنزلة والمعجزة.
﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَـافِلِينَ﴾ لا يتفكرون فيها وإلا لما فعلوا ما فعلوا من الأباطيل فالمراد بالغفلة عنها عدم التفكر والتدبر فيها عبر عن عدم تدبر الآيات بالغفلة عنها تشبيهاً للمعرض عن الشيء بمن غفل عنه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٨
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتنا وَلِقَآءِ الاخِرَةِ﴾ من إضافة المصدر إلى مفعوله والفاعل محذوف، أي : ولقائهم الدار الآخرة.
﴿حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ﴾ أي : ظهر بطلان أعمالهم التي كانوا عملوها من صلة الأرحام وإغاثة الملهوفين ونحو ذلك فلا ينتفعون بها ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ﴾ استفهام بمعنى النفي والإنكار، يعني : لا يجزون ﴿إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي : الإجزاء ما كانوا يعملون من الكفر والمعاصي.
قال في "التأويلات النجمية" : يعني : لما حبطت أعمالنا عندهم من بعثة الأنبياء وإنزال الكتب وإظهار المعجزات لتكبرهم عنها جازيناهم بأن حبطت أعمالهم عندنا لكبريائنا وغنانا عن أهل الشرك وشركهم نظيره قوله تعالى :﴿وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ (الشورى : ٤٠) وفي الآية ذم التكبر وإنه من أعظم أوصاف البشر حجباً لأنه يزيد في الأنانية وما لعن إبليس وطرد إلا للتكبر.
وصف بعض البلغاء متكبراً، فقال : كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس إحدى داياته وكأن يوسف لم ينظر إلا بمقلته ولقمان لم ينطق إلا بحكمته كأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت.
وفي "المثنوي" :
اين تكبر زهر قاتل دانكه هست
ازمى رزهر شد آن كيج مست
ون مى ر زهر نوشد مدبرى
از طرب يكدم بجنباند سرى
بعد يكدم زهر بر جانش زند
زهر برجانش كند داد وستد
كر ندارى زهريش را اعتقاد
كره زهر آمد نكر در قوم عاد
ونكه شاهى دست يابد بر شهى
بكشدش يا باز دارد در هى
ور بيابد خشته افتاده را
مرهمش سازد شه وبدهد عطا
كه نه زهراست اين تكبر س را
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
كشت شه را بى كناه وبى خطا
وين دكرراى زخدمت ون نواخت
زين دو جنبش زهررا شايد شناخت
نردبان خلق اين ما ومنيست
عاقبت زين نردبان افتاد نيست
هركه بالاتر رود ابله ترست
كاستخوان أو بترخواهد شكست
اين فروعست واصولش آن بود
كه ترفع شركت يزدان بود
ون نمردى ونكشتى زنده زو
باغى باشى بشركت ملك جو
ون بدوزنده شدى آن خود ويست
وحدت محض است آن شركت كى است


الصفحة التالية
Icon