فعلى العاقل أن يزكي نفسه عن الكبر ويأخذ التواضع في طريق الحق ويخلص العملتعالى فإن من أخلص في العمل، وإن لم ينو ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه إلى يوم القيامة كما قيل : إنه لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض جاءت وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فيدعو لكل جنس بما يليق به فجاءت طائفة من الظباء، فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر فيهن نوافج
٢٤١
المسك فلما رأى بواقيها ذلك قلن من أين هذا لكن فقلن زرنا صفي الله آدم فدعا لنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقي إليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شيء، فقالوا قد فعلنا كما فعلتم فلم نر شيئاً مما حصل لكنّ فقالوا أنتم كان عملكم لتنالوا كما نال إخوانكم وأولئك كان عملهممن غير شوب فظهر ذلك في نسلهم وعقبهم إلى يوم القيامة فظهر أن الخلق لا يجزون إلا ما كانوا يعملون والجزاء لا بد وأن يكون من جنس العمل نسأل الله تعالى دفع الكسل ورفع الزلل.
﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنا بَعْدِهِ﴾ أي : من بعد ذهابه إلى الطور ومن لابتداء الغاية ﴿مِنْ﴾ للتبعيض ﴿حُلِيِّهِمْ﴾ جمع حلي كثدي وثدي وهو ما تزين به من الذهب والفضة وإضافة الحلى إليهم مع أنها كانت للقبط لأدنى الملابسة حيث كانوا استعاروها من أربابها حين هموا بالخروج من مصر.
﴿عِجْلا﴾ مفعول أول لقوله اتخذ لأنه متعد إلى اثنين بمعنى التصيير والمفعول ثاني محذوف أي صيروه إلهاً والعجل ولد البقر وأبو العجل الثور والجمع العجاجيل والأنثى عجلة سمي عجلاً لاستعجال بني إسرائيل عبادته وكانت مدة عبادتهم له أربعين يوماً فعوقبوا في التيه أربعين سنة فجعل الله تعالى كل سنة في مقابلة يوم.
﴿جَسَدًا﴾ بدل من عجلاً أي جثة ذا دم ولحم أو جسداً من ذهب لا روح معه فإن الجسد اسم لجسم له لحم ودم ويطلق على جثة لا روح لها.
﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾ أي : صوت البقر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
وذلك أن موسى كان وعد قومه بالانطلاق إلى الجبل ثلاثين يوماً فلما تأخر رجوعه قال لهم السامري رجل من قرية يقال لها سامرة وكان رجلاً مطاعاً من قوم موسى إنكم أخذتم الحلي من آل فرعون فعاقبكم الله بتلك الجناية ومنع موسى عنكم فاجمعوا الحلي حتى أحرقها لعل الله يرد علينا موسى، أو سألوه إلهاً يعبدونه وقد كان لهم ميل إلى عبادة البقر منذ مروا على العمالقة التي كانوا يعبدون تماثيل البقر وذلك بعد عبور النهر، وقد مرت قصته فجعل السامر الحلي بعد جمعها في النار وصاغ لهم من ذلك عجلاً لأنه كان صاغاً وألقى في فمه تراباً من أثر فرس جبريل عليه السلام وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره في موضع إلا اخضر وكان قد أخذ ذلك التراب عند فلق البحر أو عند توجهه إلى الطور فانقلب ذلك الجسد لحماً ودماً وظهر فيه خوار وحركة ومشي، فقال السامري : هذا إلهكم وإله موسى فعبدوه إلا أثني عشر ألفاً من ستمائة ألف وقيل إنه جعل ذلك العجل مجوفاً وجعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص وكان وضع ذلك التمثال على مهب الريح كانت الريح تدخل في تلك الأنابيب فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل فأوهم بني إسرائيل أنه حي يخور فزفنوا حوله أي رقصوا.
نقل القرطبي عن الطرشوشي : أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان يقرؤون شيئاً من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئاً من الشعر يرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشنانير هل الحضور معهم حلال أولا.
قال مذهب الصوفية : بطالة وجهالة وضلالة وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري فلما اتخذوا عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون فهو دين الكفار وعباد العجل وإنما كان يجلس النبي عليه السلام مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها ولا يحل لأحد
٢٤٢
يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم من أئمة المسلمين كذا في "حياة الحيوان".
قال في "نصاب الاحتساب : هل يجوز له الرقص في السماع الجواب لا يجوز ذكر في "الذخيرة" أنه كبيرة ومن أباحه من المشايخ فذلك للذي صارت حركاته كحركات المرتعش وهل يجوز السماع الجواب إن كان السماع سماع القرآن أو الموعظة يجوز وإن كان السماع الغناء فهو حرام ؛ لأن التغني واستماع الغناء حرام ومن أباحه من مشايخ الصوفية فلمن تخلى عن الهوى وتحلى بالتقوى واحتاج إلى ذلك احتياج المريض إلى الدواء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
وله شرائط.
إحداها : أن لا يكون فيهم أمرد.
والثانية : أن لا يكون جمعيتهم إلا من جنسهم ليس فيهم فاسق ولا أهل دنيا ولا امرأة.
والثالثة : أن يكون نية القوال الإخلاص لا أخذ الأجرة والطعام.
والرابعة : أن لا يجتمعوا لأجل طعام أو نظر إلى فتوح والخامسة : لا يقومون إلا مغلوبين.
والسادسة : لا يظهرون الوجد إلا صادقين.


الصفحة التالية
Icon