﴿وَاخْتَارَ مُوسَى﴾ الاختيار افتعال من لفظ الخير، يقال اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره.
﴿قَوْمِهِ﴾ أي : من قومه بحذف الجار وإيصال الفعل إلى المجرور وهو مفعول ثاننٍ.
﴿سَبْعِينَ رَجُلا﴾ مفعول أول.
﴿لِّمِيقَـاتِنَا﴾ أي : للوقت الذي وقتناه له وعيناه ليأتي فيه بسبعين رجلاً من خيار بني إسرائيل، ليعتذروا عن ما كان من القوم من عبادة العجل فهذا الميقات ميقات التوبة لا ميقات المناجاة والتكليم، وكان قد اختار موسى عليه السلام عند الخروج إلى كل من الميقاتين سبعين رجلاً من قومه وكانوا اثني عشر سبطاً فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان، فقال موسى : ليتخلف منكم رجلان فإني إنما أمرت بسبعين فتنازعوا فقال إن لمن قعد مثل أجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين إلى الجبل.
﴿فَلَمَّآ أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ مما اجترأوا عليه من طلب الرؤية حيث قالوا :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ (البقرة : ٥٥) والرجفة هي الارتعاد والحركة الشديدة والمراد أخذتهم رجفة الجبل فصعقوا منها أي : ماتوا، وأكثر المفسرين على أنهم سمعوه تعالى يكلم موسى يأمره بقتل أنفسهم توبة فطمعوا في الرؤية وقالوا ما قالوه ويرده قوله تعالى : يا مُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَـالَـاتِي وَبِكَلَـامِي} (الأعراف : ١٤٤) كما ذهب إليه صاحب "التيسير" ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ﴾ أي : حين فرطوا في النهي عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته حين شاهدوا إصرارهم عليها.
﴿وَإِيَّـاىَ﴾ أيضاً حين طلبت منك الرؤية أي لو شئت إهلاكنا بذنوبنا لأهلكتنا حينئذٍ أراد به تذكر العفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق.
﴿أَتُهْلِكُنَا﴾ الهمزة لإنكار وقوع الإهلاك ثقة بلطف الله تعالى، أي : لا تهلكنا.
﴿بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ﴾ حال كونهم ﴿مِنَّآ﴾ من العناد والتجاسر على طلب الرؤية، وكأن ذلك قاله بعضهم، أي : لا يليق بشأنك أن تهلك جماً غفيراً بذنب صدر عن بعضهم الذي كان سفيهاً خفيف الرأي.
﴿إِنْ هِىَ﴾ أي : ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء.
﴿إِلا فِتْنَتُكَ﴾ أي : محنتك وابتلاؤك حيث أسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يتثبتوا فطمعوا في الرؤية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٥
يقول الفقير : هذا يدل على أنهم سمعوا كلامه تعالى على وجه الامتحان والابتلاء لا على وجه الكرمة والإجلال، وذلك لا يقدح في كون موسى عليه السلام مصطفى بالرسالة والكلام مع أنه فرق كثير بين سماعهم وسماعه عليه السلام والله أعلم.
(ودر فصل الخطاب مذكورست كه حق تعالى موسى عليه السلام را در مقام بسط بداشت تابكمال حال انس رسيده وازرو دلال بدين جراءت أقدام نمود ودلال در مرتبه محبو بيت است وحضرت مولوي قدس سره فرموده كه كستاخى عاشق ترك أدب نيست بلكه عين ادبست).
كفت وكوى عاشقان دركار رب
جوشش عشقست نه ترك أدب
هركه كردازجام حق يكجرعه نوش
نه ادب ماند درونه عقل وهوش
﴿تُضِلُّ بِهَا﴾ أي : بسبب تلك الفتنة ﴿مَن تَشَآءُ﴾ ضلاله فيتجاوز عن حده بطلب ما ليس له ﴿وَتَهْدِى مَن تَشَآءُ﴾ هدايته إلى الحق فلا يتزلزل في أمثالها فيقوى بها إيمانه ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا﴾ أي : القائم بأمورنا الدنيوية والأخروية وناصرنا وحافظنا لا غير.
﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾ أي : ما اقترفناه من المعاصي.
﴿وَارْحَمْنَآ﴾ بإفاضة آثار الرحمة الدنيوية والأخروية.
قال ابن الشيخ : المغفرة هي إسقاط
٢٥٠
العقوبة والرحمة إيصال الخير وقدم الأول على الثاني لأن دفع المضرة مقدم على تحصيل المنفعة.
﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْغَـافِرِينَ﴾ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة.
وأيضاً كل من سواك إنما يتجاوز عن الذنب إما طلباً للثناء الجميل أو للثواب الجزيل أو دفعاً للقسوة من القلب، وأما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لأجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم أنت خير الغافرين وأرحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لأنها الأهم بحسب المقام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٥