﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ﴾ نعمة وإيجاداً وتربية.
﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ يعني : حسنة الرؤية والرحمة بها التي أنتم تسألونها.
﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ يعني : يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة إلى طلابه.
﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِى هَـاذِهِ﴾ يعني : الذين هم يؤمنون بأنوار شواهد الآيات لا بالتقليد بل بالتحقيق وهم خواص هذه الأمة كما عرف أحوالهم وصرح أعمالهم بقوله :﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الامِّىَّ﴾ وفيه إشارة إلى أن في أمته من يكون مستعداً لاتباعه في هذه المقامات الثلاثة، وهي : مقامات الرسالة، والنبوة التي هي مشتركة بينه وبين الرسول والأنبياء، والمقام الأمي الذي هو مخصوص به صلى الله عليه وسلّم من بين الأنبياء والرسل عليهم السلام، ومعنى الأمي : أنه أم الموجودات وأصل المكونات كما قال :"أول ما خلق الله روحي" وقال حكاية عن الله :"لولاك لما خلقت الكون" فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمي أمياً كما سميت مكة أم القرى ؛ لأنها كانت مبدأ القرى وأصلها، وكما سمي أم الكتاب إما لأنه مبدأ الكتب وأصلها فأما اتباعه في مقام الرسالة والنبوة فبأن يأخذ ما آتاه الرسول وينتهي عما نهاه عنه كما قال تعالى :﴿وَمَآ ءَاتَـاـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاـاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (الحشر : ٧) فإن الرسالة تتعلق وأحكام الظاهر والنبوة تتعلق بأحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص في الانتفاع من الرسالة، وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن أدى حقوق أحكام الرسالة في الظاهر يفتتح له بها أحوال النبوة في الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية، وربما يؤول حاله إلى أن يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأموراً بدعوة الخلق إلى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام :"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" يشير إلى هذا القوم وذلك أن المتقدمين من بني إسرائيل في زمن الأنبياء عليهم السلام لما وصلوا إلى مقام
٢٥٥
الأنبياء أعطوا النبوة والله أعلم وكانوا مقررين لدين رسولهم حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم فكذلك هذا القوم كما قال تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥١