﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَاـاِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ الآية.
وأما أتباعه في مقام أميته صلى الله عليه وسلّم فذلك مخصوص بأخص الخواص من متابعيه، وهو أنه صلى الله عليه وسلّم رجع من مقام بشريته إلى مقام روحانيته الأولى ثم بجذبات الوحي أنزل في مقام التوحيد ثم اختطف بأنوار الهوية عن أنانيته إلى مقام الوحدة كما قال تعالى :﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ﴾ (الكهف : ١١٠) وكما قال :﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ (النجم : ٨، ٩) فقاب قوسين عبارة عن مقام التوحيد وأدنى عن مقام الوحدة تفهم إن شاء الله تعالى فمن رجع بالسير في متابعته من مقام البشرية إلى أن بلغ مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة أنزل في مقام التوحيد ثم اختطف بأنوار المتابعة عن أنانيته إلى مقام الوحدة فقد حظي بمقام أميته صلى الله عليه وسلّم وبقوله تعالى :﴿الَّذِى يَجِدُونَه مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاـاةِ وَالانجِيلِ﴾ (الأعراف : ١٥٧) يشير إلى أنه مكتوب عندهم وإلا فهو مكنون عنده في مقعد صدق.
﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهو طلب الحق والنيل إليه.
﴿وَيَنْهَـاـاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَـاتِ﴾ أي : القربات إلى الله أو أن الطيب هو الله ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـائِثَ﴾ وهي الدنيا وما يباعدهم عن الله ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاغْلَـالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ يعني إصرهم من العهد الذي كان بين الله تعالى وبين حبيبه صلى الله عليه وسلّم بأن لا يصل أحد إلى مقام أميته وحبيبيته إلا أمته وأهل شفاعته بتبعيته كما قال تعالى :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى﴾ (آل عمران : ٣١) الآية وقال عليه السلام :"الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم" فكان من هذا العهد عليهم شدة وإغلال تمنعهم من الوصول إلى هذا المقام فقد وضع النبي عليه السلام عنهم هذا الإصر والأغلال بالدعوة إلى متابعته ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى :﴿فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِه وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ﴾ (الأعراف : ١٥٧) أي : وقروه باختصاص هذا المقام فإنه مخصوص به من بين سائر الأنبياء والرسل ونصروه بالمتابعة.
﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَه﴾ يعني : حين اختطف بأنوار الهوية عن أنانيته فاستفاد نور الوحدة فلم يبق من ظلمة أنانيته شيء وكان نوراً صرفاً فلما أرسل إلى الخلق أنزل معه نور الوحدة كما قال تعالى :﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ﴾ (المائدة : ١٥) يعني : محمداً صلى الله عليه وسلّم وكتاب مبين يعني القرآن فأمروا بمتابعة هذا النور ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى ﴿أولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ في حجب الأنانية الفائزون بنور الوحدة كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥١
﴿قُلْ﴾ يا محمد يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} الخطاب عام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مبعوثاً إلى الكافة من الثقلين إلى من وجد في عصره، وإلى من سيوجد بعده إلى يوم القيامة بخلاف سائر الرسل فإنهم بعثوا إلى أقوامهم أهل عصرهم ولم تستمر شرائعهم إلى يوم القيامة وإليكم متعلق بقوله :(رسول) وجميعاً حال من ضمير إليكم.
قال الحدادي : إني رسول الله إليكم كافة أدعوكم إلى طاعة الله وتوحيده واتباعه فيما أؤديه إليكم.
وفي "آكام المرجان" : لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في أن الله تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلّم إلى الجن والأنس والعرب والعجم فإن قلت : في بعثة سليمان عليه السلام مشاركة له لأنه أيضاً كان مبعوثاً إلى الأنس والجن وحاكماً عليهما بل على جميع الحيوانات قلت : إن سليمان لم يبعث
٢٥٦
إلى الجن بالرسالة بل بالملك والضبط والسياسة والسلطنة ؛ لأنه عليه السلام استخدمهم وقضى بينهم بالحق وما دعاهم إلى دينه لأن الشياطين والعفاريت كانوا يقومون في خدمته وينقادون له مع أنهم على كفرهم وطغيانهم كذا حققه وإلهي الأسكوبي.
قال ابن عقيل : الجن داخلون في مسمى الناس لغة وهو من ناس ينوس إذا تحرك.


الصفحة التالية
Icon