قال الجوهري : وصاحب "القاموس" الناس يكون من الأنس ومن الجن جمع أنس أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل.
﴿الَّذِى﴾ منصوب أو مرفوع على المدح، أي : أعني الله الذي أو هو الذي ﴿لَه مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (مراوراست ادشاهى آسمانها وزمينها وتدبير وتصرف دران).
﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ (هي معبودى تيست مستحق عبادت جزاو) وهو بدل من الصلة التي قبله وفيه بيان لها لأن من ملك العالم كان هو الإله المتفرد بالألوهية واسم هو ضمير غيبة وهو من أخص أسمائه تعالى إذ الغيبة الحقيقية إنما هي له إذ لا تتصوره العقول ولا تحده الأوهام، وهو اسم لحضرة الغيب الثانية التي هي أول تعينات الذات الذي هو برزخ جامع بين حكمي الاسم الباطن والظاهر وحيث تخفى فيه الواو فهو اسم لحضرة غيب الغيب وهي الحضرة الأولى من حضرات الذات وهو فاتحة الأسماء وأم كتابها تنزل منزلة الألف من الحروف كذا في "ترويح القلوب" لعبد الرحمن البسطامي قدس سره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥١
واعلم : أن المقربين لا يرون موجوداً سوى الله تعالى فإذا قالوا هو أشاروا به إلى الحق سبحانه سواء تقدم له مرجع أو لا وتحقيقه في "حواشي ابن الشيخ" في سورة الإخلاص.
﴿لا إِلَـاهَ﴾ زيادة تقرير للألوهية لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة إلا الذي لا إله إلا هو.
قال الحدادي : يحيي الخلق من النطفة ويميتهم عند انقضاء آجالهم لا يقدر على ذلك أحد سواه وقيل : معناه يحيي الأموات للبعث ويميت الأحياء في الدنيا.
﴿قُلْ يا اأَيُّهَا النَّاسُ﴾ الفاء لتفريع الأمر على ما تمهد وتقرر من رسالته عليه الصلاة والسلام.
﴿النَّبِىِّ الامِّىِّ﴾ مدح له عليه السلام، ومعنى الأمي : لا يقرأ ولا يكتب فيؤمن من جهته أن يقرأ الكتب وينقل إليهم أخبار الماضين ولكن يتبع لما يوحى إليه ﴿الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَـاتِهِ﴾ أي : ما أنزل عليه من أخبار سائر الرسل ومن كتبه ووحيه وإنما وصف به لحمل أهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به، والتصريح بإيمانه بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمان به تعالى لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به.
﴿وَاتَّبِعُوهُ﴾ أي : في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين.
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ علة للفعلين أو حال من فاعليهما، أي : رجاء لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له، وفي تعليقه بهما إيذان بأن من صدقه ولم يتبعه بالتزام أحكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغي والضلالة.
قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلّم واتبع سنته، ولزم طريقته ؛ لأن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين أثره والمتابعين سنته.
قال الشيخ العارف الواصل الوارث الكامل محيي الدين بن العربي قدس سره في بيان السنة، والسني : الإنسان لا يخلو أن يكون واحداً من ثلاثة بالنظر الشرعي، وهو إما أن يكون باطنياً محضاً، وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالاً وفعلاً، وهذا يؤدي إلى تعطيل أحكام الشرائع وقلب أعيانها وكل ما يؤدي إلى هدم قاعدة من قواعد الدين أو سنة من سننه ولو في العادات كالأكل والشرب والوقاع، فهو مذموم بالإطلاق عصمنا الله وإياكم
٢٥٧
من ذلك.
وإما أن يكون ظاهرياً محضاً متقلقلاً بحيث أن يؤديه ذلك إلى التجسيم والتشبيه نعوذ بالله منهما في باب الاعتقادات، أو يكون معتمداً على مذهب فقيه من الفقهاء أصحاب علوم الأحكام المحجوبة قلوبهم بحب الدنيا عن معاينة الملكوت فتراه خائفاً من الخروج عن مذهبه فإذا سمع سنة من سنن النبي عليه السلام يحيلها على مذهب فقيه آخر فيترك العمل بها، ولو أوردت ألف حديث مأثور في فضائلها فيتصامم عن سماعها بل يسيء الظن برواية المتقدمين من التابعين والسلف بناء على عدم إيراد ذلك الفقيه إياها في كتابه، فمثل ذلك أيضاً ملحوق بالذم شرعاً وإلى الله نفزع ونلتجىء من أن يجعلنا وإياكم منهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥١
وإما أن يكون جارياً مع الشريعة على فهم اللسان حيث ما مشى الشارع مشى وحيث ما وقف وقف قدماً بقدم حتى في أقل شيء من الفضائل في العبادات والعادات صارفاً جل عنايته وباذلاً كل مجهوده في أن لا يفوته شيء من الأفعال المحمدية في عباداته وعاداته على حسب ما سنح له في أثناء مطالعاته من كتب الأحاديث المعول عليها أو ألقى في أذنه من أستاذه وشيخه المعتمد عليه إن لم يكن من أهل المطالعة فهذا هو الوسط وهو السنة والآخذ به هو السني وبهذا يصح محبة الله له.
وحكي أن الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قال : راعيت جميع ما صدر عن النبي عليه السلام سوى واحد وهو أنه عليه السلام زوج بنته علياً رضي الله عنه وكان يبيت في بيتها بلا تكلف ولم يكن لي بنت حتى أفعل كذلك.


الصفحة التالية
Icon