﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى﴾ لما ذكر الله تعالى عبدة العجل ومن قالوا :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ (البقرة : ٥٥) وهم الأشقياء اتبع ذكرهم بذكر أضدادهم السعداء فالمراد بالقوم بنو إسرائيل الموجودون في زمن موسى عليه السلام.
﴿أُمَّةٍ﴾ أي : جماعة.
﴿يَهْدُونَ﴾ (راه مينما يندخلق را) فالمفعول محذوف ﴿بِالْحَقِّ﴾ ملتبسين به، أي : محقين.
﴿وَبِهِ﴾ أي : بالحق ﴿يَعْدِلُونَ﴾ أي : في الأحكام الجارية بينهم وصيغة المضارع في الفعلين لحكاية الحال الماضية، والأشهر أن المراد بهذه الأمة قوم وراء الصين بأقصى المشرق، وذلك أن بني إسرائيل لما بالغوا في العتو والطغيان بعد وفاة موسى ووفاة خليفة يوشع حتى اجترأوا على قتل أنبيائهم، ووقع الهرج والمرج تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا، وسألوا الله تعالى أن يفرق بينهم وبين أولئك الطاغين ففتح الله لهم وهم في بيت المقدس نفقاً في الأرض وجعل أمامهم المصابيح لتضيء لهم بالنهار، فإذا أمسوا أظلم عليهم النفق فنزلوا فإذا أصبحوا أضاءت لهم المصابيح فساروا ومعهم نهر من ماء يجري وأجرى الله تعالى عليهم أرزاقهم فساروا فيه على هذا الوجه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين إلى أرض بأقصى المشرق طاهرة طيبة، فنزلوها وهم مختلطون بالسباع والوحوش والهوام
٢٥٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
لا يضر بعضهم بعضاً وهم متمسكون بالتوراة مشتاقون إلى الإسلام لا يعصون الله تعالى طرفة عين تصافحهم الملائكة، وهم في منقطع من الأرض لا يصل إليهم أحد منا ولا أحد منهم إلينا إما لأن بين الصين وبينهم وادياً جارياً من رمل فيمنع الناس من إتيانهم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : أو نهراً من شهد، كما قال السدي : وإنهم كبني أب واحد ليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون ويحصدون جميعاً فيضعون الحاصل في أماكن من القرية فيأخذ كل رجل منهم قدر حاجته ويدع الباقي.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لجبرائيل ليلة المعراج إني أحب أن أرى القوم الذين أثنى الله عليهم بقوله :﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ﴾ الآية فقال : أن بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهاباً وست سنين إياباً ولكن سل ربك حتى يأذن لك فدعا النبي عليه السلام وأمن جبريل فأوحى الله تعالى إلى جبريل أنه أجيب إلى ما سأل فركب البراق فخطا خطوات فإذا هو بين أظهر القوم فسلم عليهم وردوا عليه سلامه وسألوه من أنت فقال :"أنا النبي الأمي" قالوا أنت الذي بشر بك موسى عليه السلام وأوصانا بأن قال لنا من أدرك منكم أحمد عليه الصلاة والسلام فليقرأ عليه مني السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلّم على موسى سلامه وقالوا فمن معك قال :"أو ترون قالوا" نعم قال هو جبريل قال :"فرأيت قبورهم على أبواب دورهم فقلت فلِمَ ذلك"؟ قالوا : أجدر أن نذكر الموت صباحاً ومساء فقال :"أرى بنيانكم مستوياً" قالوا ذلك لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد أحد على أحد الريح والهواء قال :"فما لي لا أرى لكم قاضياً ولا سلطاناً"؟ قالوا : أنصف بعضنا بعضاً وأعطينا الحق فلم نحتج إلى قاضضٍ ينصف بيننا قال :"فما لي أرى أسواقكم خالية"؟ قالوا : نزرع جميعاً ونحصد جميعاً فيأخذ كل أحد منا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه فلا نحتاج إلى مراجعة الأسواق قال :"فما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون؟ قالوا : مات لهم ميت فيضحكون سروراً بما قبضه الله على التوحيد قال :"فما لهؤلاء القوم يبكون"؟ قالوا : ولد لهم مولود فهم لا يدرون على أي دين يقبض فيغتمون لذلك قال :"فإذا ولد لكم ذكر فماذا تصنعون"؟ قالوا : نصومشكراً شهراً قال :"فالأنثى" قالوا نصومشكراً شهرين قال :"ولِمَ"؟ قالوا : لأن موسى عليه السلام أخبرنا أن الصبر على الأنثى أعظم أجراً من الصبر على الذكر قال :"أفتزنون"؟ قالوا : وهل يفعل ذلك أحد لو فعل ذلك أحد لحصبته السماء وخسفت به الأرض من تحته قال :"أفترابون"؟ قالوا : إنما يرابي من لا يؤمن برزق الله قال :"أفتمرضون"؟ قالوا : لا نمرض ولا نذنب إنما تذنب أمتك فيمرضون ليكون ذلك كفارة لذنوبهم قال :"هل في أرضكم سباع وهوام"؟ قالوا : نعم تمر بنا ونمر بها ولا تؤذينا ولا نؤذيها فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم شريعته والصلوات الخمس عليهم وعلمهم الفاتحة وسوراً من القرآن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
قال الحدادي : أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن يومئذٍ نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فأمرهم بالصلاة والزكاة وأن يتركوا تحريم السبت ويجمعوا وأمرهم أن يقيموا مكانهم فهم اليوم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا.
يقول الفقير : التجميع وهو بالفارسي (نماز آذينه آمدن وكزاردن آن) إنما شرع بعد الهجرة فتناقض أول الكلام مع آخره وكذا أمر القبلة ولعل النبي عليه السلام علمهم
٢٦٠