أولاً ما نزل بمكة من الشرائع والأحكام، ثم أكمل لهم الدعوة بطريق آخر فإن المعراج بالروح والجسد معاً وإن حصل له عليه السلام مرة واحدة بمكة وفي ليلته فرضت الصلاة على ما عليه الكل إلا أنه عليه السلام كان يصل جسده الشريف في لمحة إلى حيث يصل إليه بصره وكان عنده القريب والبعيد على السواء هذا ما خطر بالضمير بعد ما رأيت من أهل التفسير ما يتنافى الأول منه بالأخير والله هو العليم الخبير.
والإشارة في الآية :﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ يعني : خواصهم يهدون بالحق يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام :﴿وَبِه يَعْدِلُونَ﴾ أي : به يحكمون بين العوام وشتان بين أمة أمية بلغوا أعلى مراتب الروحانية بالسير في متابعة النبي الأمي ثم اختطفوا عن أنانية روحانيتهم بجذباب أنوار المتابعة إلى مقام الوحدة، التي هي مصدر وجودهم في بقاء الوحدة كما قال تعالى :"كنت له سمعاً وبصراً ولساناً فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق" وبالرجوع إلى هذا المقام سموا أميين فإنهم رجعوا إلى أصلهم الذي صدروا عنه إيجاداً وبين أمة كان نبيهم محجوباً بحجاب الأنانية عند سؤال الرؤية بقوله :﴿أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ فأجيب ﴿لَن تَرَانِى﴾ لأنك كنت بك لابي فإنه لا يراني إلا من كان بي لا به فأكون بصره الذي يبصر به وهذا مقام الأمة الأمية فلهذا قال موسى عليه السلام : اللهم اجعلني من أمة أحمد شوقاً إلى لقاء ربه فافهم جداً كذا في "التأويلات النجمية" :
مصطفى را انبيا امت شدند
جمله در زيد لواء اوبدند
ايه اين امت مرحومه بين
كي يقالوا بين ارباب اليقين
رفعتش بين الأمم ون آفتاب
درميان انجم اي عالي جناب
يشه كن اي حقي شرع اين نبي
تا نباشد فوت ازتو مطلبي
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
﴿وَقَطَّعْنَـاهُمُ﴾ أي : قوم موسى لا الأمة المذكورة منهم.
﴿اثْنَتَىْ عَشْرَةَ﴾ ثاني مفعولي قطع لتضمنه معنى التصيير والتأنيث للحمل على الأمة أو القطعة، أي : صيرناهم اثنتي عشرة أمة أو قطعة متميزاً بعضها من بعض.
﴿أَسْبَاطًا﴾ بدل منه ولذلك جمع ؛ لأن مميز أحد عشر إلى تسعة عشر يكون مفرداً منصوباً وأسباطاً جمع فلا يصلح أن يكون مميزاً له وهي جمع سبط والسبط من ولد إسحاق كالقبيلة من ولد إسماعيل وهو في الأصل ولد الولد.
﴿أُمَمًا﴾ بدل بعد بدل جمع أمة، وهي : بمعنى الجماعة وانحصر فرق بني إسرائيل في اثنتي عشرة فرقة ؛ لأنهم تشعبوا من اثني عشر رجلاً من أولاد يعقوب فأنعم الله عليهم بهذا التقطيع والتمييز لتنتظم أحوالهم ويتيسر عيشهم وكانوا أقواماً متباغضة متعصبة.
﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَـاـاهُ قَوْمُهُ﴾ أي : طلبوا منه الماء حين استولى عليهم العطش في التيه الذي وقعوا فيه بسوء صنيعهم.
﴿ءَانٍ﴾ مفسرة لفعل الإيحاء ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ﴾ كان عصاه من آس الجنة وكان آدم حملها معه من الجنة إلى الأرض فتوارثها الأنبياء صاغراً عن كابر حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى.
﴿الْحِجْرِ﴾ قد سبق في البقرة على الاختلاف الواقع فيه.
وقال في "التفسير الفارسي" :(آن سنك راكه ون بتيه در آمدى باتو بسخن در آمدكه مرابرداركه ترا بكار آيم وتوبرداشتى وحالا درتوبره دارى موسى عليه السلام عصار بران سنك زد) (س شكافته شد وكشاده
٢٦١
كشت) ﴿مِنْهُ﴾ (از آن سنك) ﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ (دوازده شمه) بعدد الأسباط.
قال الحدادي : الابنجاس : خروج الماء قليلاً والانفجار خروجه واسعاً وإنما قال فانبجست لأن الماء كان يخرج من الحجر في الابتداء قليلاً ثم يتسع فاجتمع فيه صفة الانبجاس والانفجار.
﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ كل سبط عبر عنهم بذلك إيذاناً بكثرة كل واحد من الأسباط.
﴿مَّشْرَبَهُمْ﴾ أي : عينهم الخاصة بهم وكان كل سبط يشربون من عين لا يخالطهم فيها غيرهم للعصبية التي كانت بينهم.
قال ابن الشيخ : كان في ذلك الحجر اثنتا عشرة حفرة، فكانوا إذا نزلوا وضعوا الحجر وجاء كل سبط إلى حفرته فحفروا الجداول إلى أهلهم فذلك قوله تعالى :﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾ أي : موضع شربهم.
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَـامَ﴾ أي : جعلناها بحيث تلقي عليهم ظلها تسير في التيه بسيرهم وتسكن بإقامتهم لتقيهم حر الشمس في النهار، وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه.
﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ﴾ الترنجبين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
قال في القاموس : المن كل طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلاً ويجف جفاف الصمغ كالشير خشت والترنجبين.
﴿وَالسَّلْوَى﴾ قال القزويني وابن البيطار : إنه السماني، وقال غيرهما : طائر قريب من السماني.
قال في "التفسير الفارسي" :(مرغى بر شكل سمانى وآن طائريست در طرف يمن ازكنجشك بزركتر وازكبوتر خردتر) وإنما سمي سلوى لأن الإنسان يسلو به عن سائر الأدام.


الصفحة التالية
Icon