وفي الحديث :"أطيب اللحم لحم الطير" وفي الحديث أيضاً :"سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية" ويدل على كون اللحم سيد الطعام أيضاً قوله صلى الله عليه وسلّم "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" قيل : كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع، وتبعث الجنوب عليهم السماني فيذبح الرجل منه ما يكفيه.
﴿كُلُوا﴾ أي : قلنا لهم كلوا ﴿مِن طَيِّبَـاتِ مَا رَزَقْنَـاكُمْ﴾ أي : مستلذاته وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن المن والسلوى.
قال في "التفسير الفارسي" :(از اكيزها آنه بمحض عنايت روزى كرديم شمارا يعني هره روزى ميرسد بخوريد وبراى خود ذخيره منهيد س ايشان خلاف كرده وذخيره مى نهادند همه متعفن ومتغير ميشد).
﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ عطف على جملة محذوفة للإيجاز، أي : فظلموا بأن كفروا بتلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك ﴿وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ إذ لا يتخطاهم ضرره.
قال الحدادي : أي يضرون أنفسهم باسيتجابهم عذابي وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مشقة في الدنيا ولا حساب ولا تبعة في العقبى.
﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ﴾ أي : واذكر لهم يا محمد وقت قوله تعالى لأسلافهم.
﴿اسْكُنُوا هَـاذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ منصوبة على المفعولية يقال سكنت الدار، وقيل على الظرفية اتساعاً، وهي بيت المقدس أو أريحاء وهي قرية الجبارين بقرب بيت المقدس وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة رأسهم عوج بن عنق ﴿وَكُلُوا مِنْهَا﴾ أي : من مطاعمها وثمارها.
﴿حَيْثُ شِئْتُمْ﴾ أي : من نواحيها من غير أن يزاحمكم فيها أحد.
﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ أي : مسألتنا حطة ذنوبنا عنا فعلة من الحط كالردة
٢٦٢
من الرد.
والحط : وضع الشيء من أعلى إلى أسفل والمراد هنا بالحط المغفرة وحط الذنوب.
﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ﴾ أي : باب القرية ﴿سُجَّدًا﴾ منحنين متواضعين أو ساجدين شكراً على إخراجهم من التيه، ثم إن كان المراد بالقرية أريحاء فقد روي أنهم دخلوها حيث سار إليها موسى عليه السلام بمن بقي من بني إسرائيل أو بذرياتهم على اختلاف الروايتين ففتحها كما مر في سورة المائدة، وإن كان بيت المقدس فقد روي أنهم لم يدخلوها في حياة موسى، فقيل : المراد بالباب باب القبة التي كانوا يصلون فيها كذا في "الإرشاد" ﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيائَـاتِكُمْ﴾ ما سلف من ذنوبكم باستغفاركم وخضوعكم.
﴿سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ استئناف بياني كأنه قيل فماذا لهم بعد الغفران فقيل سنزيد المحسنين إحساناً وثواباً فالمغفرة مسببة عن الامتثال والإثابة محض تفضل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ ما أمروا به من التوبة والاستغفار حيث أعرضوا عنه ووضعوا موضعه.
﴿قَوْلا﴾ آخر مما لا خير فيه.
روي أنهم دخلوا زاحفين على استاهم وقالوا مكان حطة حنطة استخفافاً بأمر الله تعالى واستهزاء بموسى عليه السلام وعدولاً عن طلب عفو الله تعالى ورحمته إلى طلب ما يشتهون من أعراض الدنيا الفانية الدنية.
﴿غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ﴾ نعت لقولاً صرح بالمغايرة مع دلالة التبديل عليها قطعاً تحقيقاً للمخالفة وتنصيصاً على المغايرة من كل وجه.
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ أي : على الذين ظلموا أثر ما فعلوا من غير تأخر والإرسال من فوق كالإنزال.
﴿رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ عذاباً كائناً منها والمراد الطاعون.
روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفاً.
﴿بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ بسبب ظلمهم المستمر السابق واللاحق لا بسبب التبديل فقط، كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء ليجري عليه أحكام القضاء فامتحن بأنواع المحن والوباء.


الصفحة التالية
Icon