واعلم : أن الذين ظلموا من بني إسرائيل أفسدوا عليهم النعمتين نعمة الدنيا وهي المن والسلوى وغيرهما ونعمة العقبى وهي المغفرة والإثابة وبعد فوت زمان التدارك لا ينفع نفساً إيمانها ولا تحسرها وندمها حكي أن أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا في ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل ديناراً فألقته إليهما فقالا إن هذا لمن كنز فأقاما عليه ثلاثة أيام كل يوم تخرج لهما ديناراً، فقال أحدهما للآخر : إلى متى ننتظر هذه الحية ألا نقتلها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه أخوه فقال : ما تدري لعلك تعطب ولا تدرك المال فأبى عليه فأخذ فأساً معه ورصد الحية حتى خرجت وضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت إلى حجرها فدفنه أخوه وأقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوباً رأسها ليس معها شيء، فقال : يا هذه إني والله ما رضيت بما أصابك ولقد نهيت أخي عن ذلك فهل لك أن نجعل الله بيننا لا تضريني ولا أضرك وترجعين إلى ما كنت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لأني أعلم أن نفسك لا تطيب لي أبداً وأنت ترى قبر أخيك ونفسي لا تطيب لك وأنا أذكر هذه الشجة كذا في "حياة الحيوان".
قال في "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
بركذشته حسرت رلأردن خطاست
باز نايد رفته ياد آن هباست
٢٦٣
اللهم اجعلنا من المتيقظين قبل طلوع صبح الآخرة ولا تجعلنا غافلين عما يهمنا من الأمور الباطنة والظاهرة ووفقنا كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً وعن بواطننا خبيراً عطف على واذكر المقدر عند قوله :﴿وَإِذْ قِيلَ﴾ والضمير البارز عائد إلى اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وليس المقصود من السؤال استعلام ما ليس معلوماً للسائل لأنه عليه السلام كان قد علم هذه القصة من قبل الله تعالى بالوحي، بل المقصود منه أن يحملهم الرسول صلى الله عليه وسلّم على أن يقروا بقديم كفرهم وتجاوزهم لحدود الله تعالى ومخالفتهم الأنبياء على طريق التوراث من أسلافهم وتقريعهم بذلك وأن يظهر بذلك معجزة دالة على أنه نبي حق أوحى إليه ما لا يعلم إلا بتعليم أو وحي فإنه عليه السلام لما كان أمياً ولم يخالط أهل الكتب السابقة وبين هذه القصة على وجهها من غير زيادة ولا نقصان تعين أنه علم ذلك بالوحي فكان بيانها على ما وقعت معجزة ظاهرة من جملة معجزاته عليه السلام.
﴿عَنِ الْقَرْيَةِ﴾ أي : عن حالها وخبرها وما جرى على أهلها من الداهية الدهياء وهي أيلة بين مدين والطور والعرب تسمي المدينة قرية.
﴿الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ أي : قريبة منه مشرفة على شاطئه.
﴿إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ﴾ أي : يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد يوم السبت وهم منهيون عن الاشتغال فيه بغير العبادة وإذ ظرف للمضاف المحذوف ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ﴾ ظرف ليعدون، والحيتان جمع حوت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كنون ونينان لفظاً ومعنى.
وكان علي بن أبي طالب يقول : سبحان من يعلم اختلاف النينان في البحار الغامرات وإضافتها إليهم لأن المراد بالحيتان الكائنة في تلك الناحية ﴿يَوْمَ سَبْتِهِمْ﴾ ظرف لتأتيهم أي تأتيهم يوم تعظيمهم لأمر السبت فالسبت هنا مصدر سبتت اليهود إذا عظمت السبت بالتجرد للعبادة.
وفي "التفسير الفارسي" :(روز شنبه ايشان) فهو اسم لليوم ﴿شُرَّعًا﴾ جمع شارع من شرع عليه إذا دنا وأشرف وهو حال من حيتانهم أي تأتيهم يوم سبتهم ظاهرة على وجه الماء قريبة من الساحل.
﴿وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ﴾ أي : لا يراعون أمر السبت لكن لا بمجرد عدم المراعاة مع تحقق يوم السبت، كما هو المتبادر بل مع انتفائهما معاً، أي : لا سبت ولا مراعاة.
﴿لا تَأْتِيهِمْ﴾ كما كانت تأتيهم يوم السبت حذاراً من صيدهم فإن الله تعالى قوى دواعيها إلى الشروع في يوم السبت معجزة لنبي ذلك الوقت وابتلاء لتلك التي فصلت بين يوم السبت وغيره من الأيام.
﴿كَذَالِكَ نَبْلُوهُم﴾ الكاف في موضع النصب بقوله نبلوهم، أي مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع نعاملهم معاملة من يختبرهم ليظهر عدوانهم نؤاخذهم به.
﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ أي : بسبب فسقهم المستمر في كل ما يأتون وما يذرون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٩
﴿وَإِذْ قَالَتِ﴾ عطف على إذ يعدون ﴿أُمَّةٌ مِّنْهُمْ﴾ أي : جماعة من صلحائهم الذين ركبوا في عظتهم متن كل صعب وذلول حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير مبالغة في الأعذار وطمعاً في فائدة الإنذار.
﴿لِمَ تَعِظُونَ﴾ (جراند ميدهيد) ﴿قَوْمًا﴾ (كروهى راكه بى شبهه).
﴿اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ أي : مستأصلهم ومطهر الأرض منهم.
﴿أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ دون الاستئصال بالمرة.
والمفهوم من بقية الآية كون المراد عذاب
٢٦٤


الصفحة التالية
Icon