الدنيا قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينجح فيهم لا إنكاراً لو عظهم ورضى بالمعصية منهم.
﴿قَالُوا﴾ أي : الوعاظ ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ مفعول له أي نعظم معذرة إليه تعالى.
والمعذرة : اسم مصدر بمعنى العذر وهو بضم فسكون في الأصل تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه بأن يقول لم أفعل أو فعلت لأجل كذا أو فعلت ولا أعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس وقيل المعذرة بمعنى الاعتذار يقال : اعتذرت إلى فلان من جرمي ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقاً وغير محق كذا في "تاج المصادر".
قال السعدي قدس سره :
كر بمحشر خطاب قهر كند
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٤
انييارا ه جاى معذرتست
رده از لطف كوك بردارد
كاشقيارا اميد مغعرتست
﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ عطف على معذرة، أي : ورجاء لأن يتقوا بعض التقاة ويتركوا المعصية لأن قبول الحق الواضح يرجى من العاقل.
واليأس لا يحصل إلا بالهلاك وهذا صريح في أن القائلين لم تعظون إلخ ليسوا من الفرقة الهالكة وإلا لوجب الخطاب أي : ولعلكم.
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أي : تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسي للشيء وأعرضوا عنه إعراضاً كلياً بحيث لم يخطر ببالهم شيء من تلك المواعظ أصلاً فيكون من ذكر المسبب وإرادة السبب.
﴿أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّواءِ﴾ أي : خلصنا الذين ينهون عن الاصطياد وهم الفريقان المذكوران.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزل والله بالمداهن ما نزل بالمستحل.
وقال الحسن : نجت فرقتان وهلكت فرقة وأنكر القول الذي ذكر له عن ابن عباس وقال ما هلك إلا فرقة لأنه ليس شيء أبلغ في الأمر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وقد ذكرت الفرقة الثالثة الوعيد، فقالت : لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً، وقول الحسن أقرب إلى ظاهر الآية كذا في "تفسير الحدادي".
﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بالاعتداء ومخالفة الأمر ﴿بِعَذَابا بَئِيس﴾ أي : شديد وزناً ومعنى ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ متعلق بأخذنا كالباء الأولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى، أي : أخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم في الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان أيضاً ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلم يقلعوا عما كانوا عليه، بل ازدادوا في الغي فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ﴾ أي : تمردوا وتكبروا وأبوا عن ترك ما نهوا عنه قدر المضاف إذ التكبر والإباء من نفس المنهي عنه لا يذم فهو كقوله تعالى :﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ (الأعراف : ٧٧) أي : عن امتثال أمر ربهم والعاتي هو شديد الدخول في الفساد المتمرد الذي لا يقبل الموعظة.
﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَـاسِئِينَ﴾ صاغرين أذلاء بعداء عن الناس.
في "القاموس" خسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد.
والقردة جمع قرد بالفارسي (وزينه) والأنثى قردة وجمعها قرد مثل قربة وقرب والمراد هو الأمر التكويني لا القولي التكليفي لأنهم لا يقدرون على قلب أنفسهم قردة وتكليف العاجز غير معقول فليس ثمة قول ولا أمر ولا مأمور حقيقة وإنما هو تعلق قدرة وإرادة بمسخهم نعوذ بالله تعالى.
روي أن اليهود أمروا باليوم الذي أمرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت وهو المعنى بقوله تعالى :﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ (النمل : ١٢٤) فابتلوا
٢٦٥


الصفحة التالية
Icon