على أن دون ذلك صفة لموصوف محذوف مرفوع على الابتداء.
وقوله : منهم خبر قدم عليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٤
قال التفتازاني : قد شاع في الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمر النحاة على جعل الأول خبراً والثاني مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس وإن كان أبعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر أولى وكأنهم يرون المصير إلى أن الحذف في أوانه أولى انتهى وذلك إشارة إلى الصلاح المدلول عليه بقوله : الصالحون بتقدير المضاف ليصح المعنى، أي : ومنهم دون أهل ذلك الصلاح منحطون عنهم وهم كفرتهم وفسقتهم وجوز بمعنى أولئك فالإشارة إلى الصالحين وقد ذكر النحويون أن اسم الإشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع كذا في "حواشي سعدى لبى" ﴿وَبَلَوْنَـاهُم﴾ أي : عاملناهم معاملة المبتلى المختبر ﴿بِالْحَسَنَـاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ بالنعم والنقم حيث فتحنا عليهم تارة باب الخصب والعافية وتارة باب الجدب والشدائد.
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ينتهون فيرجعون عما كانوا عليه من الكفر والمعاصي فإن كل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة أما الحسنات فللترغيب فيها، وأما السيئات فللترهيب عن المعصية.
قال الكاشفي :(ايشانرا درنعمت شكر بايست كرد بطر واستغنا ظاهر كردند وكفتند إن الله فقير ونحن أغنياء ودر محنت صبري بايست كرد آغاز ناسزا كردند وكفتند يد الله مغلولة برمحك اختبار تمام عيار بيرون نيامدند).
خوش بود كر محك تجربه آيدبميان
تاسيه روى شودهركه دروغش باشد
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَبَلَوْنَـاهُم بِالْحَسَنَـاتِ﴾ أي : بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها كما كان حال إبليس ﴿وَالسَّيِّئَاتِ﴾ أي : المعاصي ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربهم كما كان حال آدم عليه السلام رجع إلى الله تعالى :﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿فَخَلَفَ مِنا بَعْدِهِمْ﴾ من بعد المذكورين ﴿خَلْفٌ﴾ أي : بدل سوء وهم الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلّم الذين خلفوا من اليهود الذين فرقهم الله في الأرض أمماً موصوفين بأنهم منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، والخلف : مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع يقال خلف فلان فلاناً إذا كان خليفته وخلفه في قومه خلافة أي قام مقامه في تدبير أحوال قومه.
قال ابن الأعرابي : الخلف بفتح اللام الصالح وبإسكان اللام الطالح ومنه قيل لرديء الكلام خلف.
وقال محمد بن جرير : أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام وفي الذم بتسكينها وقد يحرك في الذم ويسكن في المدح، قال : وأحسبه في الذم مأخوذاً من خلف اللبن إذا حمض من طول تركه في السقاء حتى يفسد، ومنه قولهم خلف فم الصائم إذا تغيرت ريحه وفسدت فكان الرجل الفاسد مشبه به، والحاصل أن كليهما يستعملان في الشر والخير إلا أن أكثر الاستعمال في الخير بالفتح كذا في "تفسير الحدادي" ﴿وَرِثُوا الْكِتَـابَ﴾ أي : التوراة من أسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها.
والميراث ما صار للباقي من جهة الهالك وهو في محل الرفع على أنه نعت لقوله : خلف ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـاذَا الادْنَى﴾ استئناف، أي : يأخذون حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا وهو من الدنو، أي القرب سميت هذه الدار وهذه الحياة دنيا لدنوها وكونها عاجلة، يقال : دنوت منه دنواً أي قربت والداني القريب أو من الدناءة يقال دنا الرجل دناءة أي صار
٢٦٩
دنيئاً خسيساً لا خير فيه والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشى في الحكومات وعلى تحريف الكلام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٩
قال الحدادي : سمي متاع الدنيا عرضاً لقلة بقائه كأنه يعرض فيزول قال الله تعالى :﴿هَـاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ (الأحقاف : ٢٤) يريدون بذلك السحاب ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه يقال غفر الله له ذنبه غطى عليه وعفا عنه.
قوله : سيغفر إما مسند إلى الجار والمجرور بعده وهو لنا وإما إلى ضمير الأخذ في يأخذون كقوله :﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ﴾ أي : سيغفر لنا أخذ العرض الأدنى.


الصفحة التالية
Icon