وفي "التأويلات النجمية" : من شأن النفوس أن يجعلوا المواهب الربانية والكشوف الروحانية ذريعة العروض الدنيوية ويصرفها في تحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ويقولون سيغفر لنا ؛ لأنا وصلنا إلى مقام ورتبة يغفر لنا مثل الزلات والخطيئات كما هو مذهب أهل الإباحة جهالة وغروراً منهم، وفيه معنى آخر وهو أنهم يقولون : سيغفر لنا إذا استغفرنا منها وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب.
﴿وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُه يَأْخُذُوهُ﴾ حال من فاعل يقولون، أي : يأخذون الرشى في الأحكام وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة، ويقولون إنه تعالى لا يؤاخذنا بأخذ ما أخذناه من عرض الدنيا ويتجاوز عنه والحال إنهم مصرون على أخذه عائدون إلى مثله غير تائبين عنه.
﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَـاقُ الْكِتَـابِ﴾ أي : العهد المذكورة في التوراة.
﴿أَن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ﴾ عطف بيان للميثاق، أي : لا تفتروا على الله مثل القطع على المغفرة مع الإصرار على الذنب.
﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ (وخوانده اند آنه دروست واين حكم دروى نديده اند) وهو معطوف على ألم يؤخذ من حيث المعنى فإنه تقرير، أي : أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه ولك أن تقول درسوا عطف على لم يؤخذ فالاستفهام التقريري متعلق بهما.
﴿وَالدَّارُ الاخِرَةُ﴾ (ورستكارى سراى ديكركه عقابست ﴿خَيْرٌ﴾ بهترست از عرض دنيا) ﴿لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ المعاصي والشرك وأكل الحرام والافتراء على الله تعالى.
﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ تعلمون ذلك فلا تستبدلوا الأدنى المؤدي إلى العقاب بالنعيم المخلد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٩
﴿وَالَّذِينَ﴾ أي : وخير أيضاً للذين ﴿يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَـابِ﴾ أي : يتمسكون به في أمور دينهم يقال مسك بالشيء وتمسك به.
قال مجاهد : هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلة، أي : وسيلة وسبباً لأكل أموال الناس.
وقال عطاء : هم أمة محمد عليه السلام فالمراد بالكتاب القرآن.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ﴾ من قبيل ذكر الخاص بعد ذكر العام للتنبيه على شرف الخاص وفضله فإن إقامة الصلاة أعظم العبادات وأفضلها بعد الإيمان فأفردت بالذكر لعلو قدرها بالنسبة إلى سائر أنواع التمسكات.
خانه دين خويش راو خدا
بر ستون نماز كردبنا
بى شكى تاستون بجاى بود
خانه دين حق باى بود
﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ أي : نعطيهم أجرهم في القول والعمل.
قال الكاشفي :(مزدكار بصلاح آرند كان كردار خودرا بلكه بتمام بديشان رسانيم).
والإصلاح : أما إصلاح الظواهر، وإما إصلاح السرائر وذلك بالتقيد بالأعمال الظاهرة وتربية النفس إلى أن تصلح لقبول فيض
٢٧٠
نور الله.
واعلم : أن الغالب في آخر الزمان ترك العمل بالقرآن ولقد خلف من بعد السعداء أشقياء اطمأنوا إلى زخارف الدنيا.
قال الحسن : رأيت سبعين بدرياً كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم وكانوا بالبلاء أشد منكم فرحاً بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا أخياركم قالوا ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا أشراركم حكموا بأنهم ما يؤمنون بيوم الحساب إذا عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفاً من فساد قلوبهم.
قال هرم لأويس : أين تأمرني أن أكون؟ فأومأ إلى الشام، فقال : هرم كيف المعيشة بها؟ قال : أويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة قال من قال :
خانه ركندم ويك جونفر ستاده بكور
غم مركت وغم برك زمستانى نيست
وهذا الشك لا يزول إلا بالتوفيق الخاص الإلهي ولا بد من تربية المرشد الكامل فإنه أعرف بمصالح النفس ومفاسدها.
زمن اى دوست اين يك ندبذير
روفتراك صاحب دولتي كير
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٩