جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٩
قال الشيخ أبو النجيب السهروردي المراد بقوله تعالى :﴿إِن تُبْدُوا الصَّدَقَـاتِ فَنِعِمَّا هِىَ﴾ (البقرة : ٢٧١) الجهر بالذكر.
وقال عمر النسفي والإمام الواحدي في تفسيريهما : الذكر من جملة الفرائض وإعلان الفرائض أولى وأحب دفعاً للتهمة والجهر يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط.
وفي "المثنوي" :
يادهان خويشتن را اك كن
روح خودرا اك والاك كن
ذكر حق اكست ون اكى رسيد
رخت بربندد برون آيد ليد
مى كريزد ضدها از ضدها
شب كريزد ون برافر وزد ضيا
٢٧٢
ون در آيد نام اك اندر دهان
نى ليدى ماندو نى اندهان
قوله تعالى :﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ يتناول الذكر اللفظي والحفظ الظاهري وإن كان العمدة هي العمل كما قال سعدي قدس سره :(مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامىء متعبد ياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته) أيقظنا الله وإياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب أمورنا بأحسن الخاتمة والحالة آمين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٩
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ أي : واذكر يا محمد لبني إسرائيل وقت أخذ ربك ﴿مِنا بَنِى ءَادَمَ﴾ أي : آدم وأولاده كأنه صار اسماً للنوع كالإنسان والبشر والمراد بهم الذين ولد لهم كائناً من كان نسلاً بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الأسباب كالعقم وعدم التزوج والموت صغيراً.
﴿مِن ظُهُورِهِمْ﴾ بدل من بني آدم بدل البعض، أي من أصلابهم وفيه تنبيه على أن الميثاق قد أخذ منهم وهم في أصلاب الآباء ولم يستودعوا في أرحام الأمهات ﴿ذُرِّيَّتُهُم﴾ مفعول أخذ، أي : نسلهم قرناً بعد قرن، يعني : أخرج بعضهم من بعض كما يتوالدون في الدنيا بحسب الأصلاب والأرحام والأدوار والأطوار إلى آخر ولد يولد ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ أي : أشهد كل واحد من أولئك الذريات المخصوصين المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسه لا على غيره تقريراً لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص وغير ذلك من أحكامها.
﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ على إرادة القول، أي : قائلاً ألست بربكم ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم ﴿قَالُوا﴾ استئناف بياني كأنه قيل : فماذا قالوا فقيل قالوا :﴿بَلَى شَهِدْنَآ﴾ أي : على أنفسنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك والفرق بين بلى ونعم أن بلى إثبات لما بعد النفي، أي : أنت ربنا فيكون إيماناً ونعم لتقرير ما سبق من النفي، أي لست بربنا فيكون كفراً وهذا تمثيل وتخييل نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل الآفاقية والأنفسية وخلق الاستعداد فيهم منزلة الإشهاد وتمكينهم من معرفتها والإقرار بها منزلة الاعتراف، فلم يكن هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب وباب التمثيل باب واسع وارد في القرآن والحديث وكلام البلغاء قال الله تعالى :﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلارْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآاـاِعِينَ﴾ ﴿أَن تَقُولُوا﴾ مفعول له لما قبله من الأخذ والإشهاد، أي فعلنا ما فعلنا كراهة أن تقولوا ﴿يَوْمُ الْقِيَـامَةِ﴾ عند ظهور الأمر ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـاذَا﴾ أي : عن وحدانية الربوبية وأحكامها ﴿غَـافِلِينَ﴾ لم ننبه عليه بدليل فإنهم حيث جبلوا على الفطرة ومعرفة الحق في القوة القريبة من الفعل صاروا محجوبين عاجزين عن الاعتذار بذلك ولو لم تكن الآية على طريقة التمثيل، بل لو أريد حقيقة الإشهاد والاعتراف وقد أنسى الله تعالى بحكمته تلك الحال لم يصح قوله أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين كما في "حواشي سعدى لبى" المفتي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
﴿أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا﴾ عطف على أن تقولوا واو لمنع الخلو دون الجمع أي : اخترعوا الإشراك وهم سنوه.
﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل زماننا.
﴿وَكُنَّا﴾ نحن ﴿ذُرِّيَّةً مِّنا بَعْدِهِمْ﴾ لا نهتدي إلى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل فاقتديناهم.
﴿أَفَتُهْلِكُنَا﴾ أي : أتؤاخذنا فتهلكنا ﴿بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ من آبائنا المضلين بعد ظهور أنهم المجرمون ونحن عاجزون عن التدبر والاستبداد بالرأي، فإن ما ذكر من
٢٧٣
استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا أيضاً فإن التقليد بعد قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ له أصلاً.


الصفحة التالية
Icon