﴿وَكَذالِكَ﴾ إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده ومحله النصب على المصدرية، أي مثل ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة.
﴿نُفَصِّلُ الايَـاتِ﴾ المذكورة لا غير ذلك.
﴿وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ وليرجعوا عماهم عليه من الإصرار على الباطل وتقليد الآباء نفعل التفصيل المذكور.
فالواوان ابتدائيتان، ويجوز أن تكون الثانية عاطفة على مقدر مرتب على التفصيل، أي : وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها ومن المرغبات والزواجر وليرجعوا إلخ هذا والأكثر على أن المقاولة المذكورة في الآية حقيقة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما :"من أنه لما خلق الله آدم عليه السلام مسح ظهره فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فقال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى فنودي يومئذٍ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة".
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عنها فقال :"إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون".
فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار" وليس المعنى أنه تعالى أخرج الكل من ظهره عليه السلام بالذات بل أخرج من ظهره عليه السلام أبناءه الصلبية ومن ظهورهم أبناءهم الصلبية وهكذا إلى آخر السلسلة لكن لما كان الظهر الأصلي ظهره عليه السلام، وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين إجمالاً من غير أن يتعلق بذكر الوسائط غرض علمي نسب إخراج الكل إليه وأما الآية الكريمة حيث كانت مسوقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وبيان عدم إفادة الاعتذار بإسناد الإشراك إلى آبائهم اقتضى الحال نسبة إخراج كل واحد منهم إلى ظهر أبيه من غير تعرض لإخراج الأبناء الصلبية لآدم عليه السلام من ظهره قطعاً كذا في "الإرشاد".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
وقال الحدادي : فإن قيل كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين أخرجهم من صلب آدم قيل : لما أرسل الله الرسل فأخبروهم بذلك الميثاق صار قول الرسل حجة عليهم وإن لم يذكروا ألا ترى أن من ترك من صلاته ركعة ونسي ذلك فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه.
قال المولى أبو السعود : على القول الثاني وهو ما ذهب إليه الأكثر من حقيقة المقاولة أن قوله تعالى :﴿أَن تَقُولُوا﴾ إلخ ليس مفعولاً له لقوله تعالى :﴿وَأَشْهَدَهُمْ﴾ وما يتفرع عليه من قولهم :﴿بَلَى شَهِدْنَآ﴾ حتى يجب كون ذلك الإشهاد والشهادة محفوظاً لهم في إلزامهم بل لفعل مضمر ينسحب الكلام عليه والمعنى فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر الميثاق وبيانه كراهة أن تقولوا أيها الكفرة يوم القيامة إنا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه في دار التكليف وإلا لعملنا بموجبه انتهى.
٢٧٤
وقال الكاشفي :(اي درويش اين آيت مركز عهد ازلست بى خبران سركوه غفلت را متنبه سازد وإلا هو شمندان بيداردل ازان سؤال وجواب غافل نيستند).
أليست ازازل همنانش بكوش
بفرياد قالوا بلى در خروش
(در نفحات مذكور ست كه على سهل اصفهاني را كفتندكه روز بلى را ياد دارى كفت ون ندارم كوئى دى بود شيخ الإسلام خواجه أنصاري فرمود كه درين سخن نقض است صوفى را دى وفردا ه بود آنروزرا هنز شب در نيامده وصوفي در همان روزست).
روز امروزاست اي صوفي وشان
كى بود ازدى واز فردا نشان
آنكه از حق نيست غافل يكنفس
ماضي ومستقبل وحالست وبس
وسئل ذو النون رضي الله عنه : عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره؟ فقال : كأنه الآن في أذني.
واعلم : أن لبعض أرواح الكمل تحقق الاتصاف بالعلم قبل تعينه بهذا المزاج الجزئي العنصري في مرتبة العين والخارج من جهة كلية الروحانية المتعينة قبله في مرتبة النفس الكلي بنفس تعين الروح الإلهي الأصلي فالروح الكلي الوصف، والذات من أرواح الكمل يعين في كل مرتبة وعالم من المراتب، والعوالم التي يمر عليها عند النزول والهبوط إلى مرتبة الحس الظاهر وعالم المزاج العنصري إلى حين اتصاله بهذه النشأة العنصرية تعيناً يقتضيه حكم الروح الأصلي في ذلك العالم وفي تلك المرتبة فيعلم حالتئذٍ أي حالة إذ تعين حين الاتصال بهذه النشأة العنصرية مما يعلم الروح الإلهي الأصلي ما شاء الله أن يعلمه من علومه ومتى كشفت هذا السر عرفت سر قوله عليه السلام :"كنت نبياً وآدم بين الماء والطين" وسر قول ذي النون كما سبق وإن شئت زيادة تحقيق هذا المقام فارجع إلى مطالعة "مفتاح الغيب" للصدر القنوي قدس سره.