﴿ذَالِكَ﴾ أي : ذلك المثل السيىء ﴿مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتنا﴾ وهم اليهود وكما أن بلعم بعدما أوتي آيات الله انسلخ منها ومال إلى الدنيا حتى صار كالكلب، كذلك اليهود بعدما أوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول صلى الله عليه وسلّم وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه، وكانوا يستفتحون به انسخلوا مما اعتقدوا في حقه وكذبوه وحرفوا اسمه.
﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ﴾ (س بخوان برايشان اين خبررا) والقصص : مصدر سمي به المفعول كالسلب واللام للعهد.
﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ راجياً تفكرهم تفكراً يؤدي بهم إلى الاتعاظ.
﴿سَآءَ مَثَلا﴾ ساء بمعنى بئس ومثلاً تمييز من الفاعل المضمر في ساء مفسر له.
﴿الْقَوْمَ﴾ مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز أي ساء مثلاً مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم.
قال الحدادي : وهذا السوء إنما يرجع إلى فعلهم لا إلى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذي جلب إليهم الوصف القبيح، فأما المثل فهو من الله حكم وصواب.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـاهُ وَالَّذِينَ﴾ بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها.
﴿وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ أي : ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتخطاها.
﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ﴾ أي : يخلق فيه الاهتداء ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدِى﴾ لا غير كائناً من كان وإنما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية في حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعي إلى صرف العبد اختياره نحو تحصيله.
﴿وَمَن يُضْلِلِ﴾ بأن لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق الله فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها.
﴿فأولئك هُمُ الْخَـاسِرُونَ﴾ أي : الكاملون في الخسران لا غير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٦
وفيه إشارة إلى أن من أدركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية إلى المدارك السفلية، فهم الذين أصابهم رشاش النور الذي رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فأضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين أخطأهم ذلك النور، ولم يصبهم فوقعوا في الضلالة والخسران.
وكان سفيان الثوري يقول : اللهم سلم سلم كأنه في سفينة يخشى الغرق.
ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام،
٢٧٩
قال : على أي دين تركته؟ قال : على دين الإسلام قال : الآن تمت النعمة.
وقيل : ما من كلمة أحب إلى الله تعالى ولا أبلغ عنده في الشكر من أن يقول العبد : الحمدالذي أنعم علينا وهدانا إلى الإسلام، وإياك أن تغفل عن الشكر وتغتر بما أنت عليه في الحال من الإسلام والمعرفة والتوفيق والعصمة، فإنه مع ذلك لا موضع للأمن والغفلة فإن الأمور بالعواقب.
قال بعض العارفين : إن بعض الأنبياء عليهم السلام سأل الله تعالى عن أمر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات؟ فقال الله تعالى : لم يشكرني يوماً من الأيام على ما أعطيته ولو شكرني على ذلك مرة لما سلبته، فمن كان له جوهر نفيس يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك خسراناً عظيماً وغبناً فظيعاً ودليلاً بينا على خسة الهمة وقصور العلم وضعف الرأي وقلة العقل، فتيقظ حتى لا تذهب عنك الدنيا والآخرة وتنبه فإن الأمر خطير والعمر قصير وفي العمل تقصير والناقد بصير فإن ختم الله بالخير أعمالنا وأقال عثراتنا فما ذلك عليه بعسير اللهم حقق رجاء عبدك الفقير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٦
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا﴾ أي : وبالله قد خلقنا.


الصفحة التالية
Icon