قال في "القاموس" : ذرأ كجعل خلق والشيء كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين.
﴿لِجَهَنَّمَ﴾ أي : لدخولها والتعذيب بها وهي سجن الله في الآخرة سميت جهنم لبعد قعرها، يقال : بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهي تحتوي على حرور وزمهرير ففيها الحر والبرد على أقصى درجاتهما وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين.
﴿كَثِيرًا﴾ كائناً ﴿مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ﴾ يعني : المصرين على الكفر في علم الله تعالى، فاللام في لجهنم للعاقبة لأن من علم الله أن يصر على الكفر باختياره فهو يصير من أهل النار.
والجن : أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة لها عقول وأفهام وقدرة على الأعمال الشاقة وهي خلاف الإنس سميت بذلك لاستجنانهم واستتارهم عن العيون، يقال : جنه الليل ستره.
والإنس : البشر كالإنسان من آنس الشيء أبصره وقدم الجن على الإنس لأنهم أكثر عدداً وأقدم خلقاً، ولأن لفظ الإنس أخف بمكان النون الخفيفة والسين المهموسة فكان الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وراحته والإجماع على أن الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص وإن نبينا صلى الله عليه وسلّم مبعوث إلى الثقلين ولا شك أنهم مكلفون في الأمم الماضية، كما هم مكلفون في هذه الأمة لقوله تعالى :﴿أولئك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِا إِنَّهُمْ كَانُوا خَـاسِرِينَ﴾ (الأحقاف : ١٨) وجمع الفريقين إنما هو باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة والسعادة والألم يصح التكليف عليهم.
فإن قلت : ما الحكمة في أن الله تعالى جعل الكفار أكثر من المؤمنين؟.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
قلت ليريهم أنه مستغننٍ عن طاعتهم وليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لأن الأشياء تعرف بأضدادها والشيء إذا قل وجوده عز.
فإن قلت : إن رحمته غلبت غضبه فيقتضي الأمر أن يكون أهل الرحمة أكثر من أهل الغضب، وأهل الغضب تسع وتسعون وتسعمائة من كل ألف وواحد يؤخذ للجنة.
قلت : هذه الكثرة بالنسبة إلى بني آدم وأما بالنسبة إلى الملائكة وأهل الجنة فكثير لأن بني آدم قليل بالنسبة إلى الملائكة والحور والغلمان فيكون أهل الرحمة أكثر من أهل الغضب، وقيل : أكثر الكفار بشارة للأخيار بكثرة الفداء لأنه ورد في الخبر الصحيح :"إن كل مؤمن يأخذ كافراً بناصيته ويرميه إلى النار فداء عن نفسه" وفي الحديث :"إن الله لما ذرأ لجهنم ما ذرأ كان ولد الزنى ممن
٢٨٠
ذرأ لجهنم".
قال في "المقاصد" حديث :"لا يدخل الجنة ولد زنية" إن صح فمعناه إذا عمل بمثل عمل أبويه واتفقوا على أنه لا يحمل على ظاهره.
وقيل في تأويله أيضاً : إن المراد به من يواظب الزنى كما يقال للشهود بنو الصحف وللشجعان بنو الحرب ولأولاد المسلمين بنو الإسلام واتفق المشايخ من أهل الوصول أن ولد الزنى لا يكون أهلاً للولاية الخاصة.
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ﴾ في محل النصب على أنه صفة أخرى لكثيراً.
﴿لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ في محل الرفع على أنه صفة لقلوب أي لا يعقلون بها إذ لا يلقونها إلى معرفة الحق والنظر في دلائله والقلب كالمرآة يصدأ من الإنكار والغفلة وجلاؤه التصديق والإنابة.
قال السعدي قدس سره :
غبار هوا شم عقلت بدوخت
سمون هوا كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از شم اك
كه فردا شوى سرمه درشم خاك
﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ أي : لا ينظرون إلى ما خلق الله نظر اعتبار.
دوشم ازى صنع بارى نكوست
زعيب برادر فروكيرو دوست
﴿وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَآ﴾ الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر.
كذر كاه قرآن وبندست كوش
بهبهتان وباطل شنيدن مكوش
﴿أولئك﴾ الموصوفون بالأوصاف المذكورة ﴿كَالانْعَـامِ﴾ (ما نندها راينند) في عدم الفقه والأبصار للاعتبار والاستماع للتدبر أو في أن مشاعرهم وقواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها، والأنعام : جمع نعم بالتحريك وقد يسكن عينه وهي الإبل والشاة أو خاص بالإبل كذا في "القاموس" :﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ بل للإضراب وليس إبطالاً، بل هو انتقال من حكم وهو التشبيه بالأنعام إلى حكم آخر وهو كونهم أضل من الأنعام طريقاً، فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضار وتجهد في جلبها ودفعها غاية جهدها وهم ليسوا كذلك وهي بمعزل من الخلود وهم يتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد، وقيل : لأنها تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ولا يطيعونه وفي الخبر :"كل شيء أطوعمن بني آدم".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
دربغ آدمي زاده رمحل
كه باشد و انعام بل هم اضل