قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة في بعض تحريراته : واعلم أن الهوية الإلهية السارية في جميع المراتب تعينت أولاً في مرتبة الحياة تعين تلك المرتبة بالأولية الكبرى فتعينت نسبة عالم الغيب، ثم في مرتبة العلم تعينت تلك المرتبة ثانياً بالآخرية العظمى فتعينت نسبة عالم المعاني، ثم في مرتبة الإرادة بصورة تلك المرتبة تعينت ثالثاً بالظاهرية الأولى فتعينت نسبة عالم الأرواح، ثم في مرتبة القدرة تعينت تلك المرتبة رابعاً بالباطنية الأولى فتعينت نسبة عالم الشهادة هو الحي العليم المريد القدير وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وبذلك السريان ظهرت الحقائق الأربع التي هي أمهات جميع الحقائق، والأسماء الإلهية الكلية التي هي تسعة وتسعون أو ألف وواحد وتلك الحقائق الكلية تعينت من دوران تعين الأمهات الأربع في عوالمها الأربعة فبضرب الأربعة في الأربعة كانت ستة عشر، ثم باعتبار الظهور والبطون صارت اثنين وثلاثين، ثم باعتبار أحدية جمع الجميع كانت ثلاثاً وثلاثين ثم باعتبار دوران تعينها بعالم السمع ورتبة البصر ورتبة الكلام فيها صارت تسعة وتسعين، ثم باعتبار أحدية جمع الجميع كانت مائة لذلك سن رسول الله عليه السلام في "دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وثلاثاً وثلاثين تكبيرة ثم تمم المائة بقوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" ثم كانت ألفاً باعتبار تعيناتها في الحضرات الخمس من جهة الظهور والبطون حاصلة من ضرب المائة في العشرة الكائنة من تلك الحضرات الخمس باعتبار ظواهرها وبواطنها ثم باعتبار أحدية جمع الجميع كانت ألفاً وواحداً فأمهات الأسماء والحقائق سبع وكلياتها تسع وتسعون أو ألف وواحد وجزئيات تلك الأسماء الحسنى لا تعد ولا تحصى انتهى باختصار.
﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَِاءه﴾ الإلحاد : واللحد : الميل والانحراف عن القصد، أي : واتركوا الذين يميلون في شأنها عن الحق إلى الباطل إما بأن يسموه تعالى بما لم يسم به نفسه ولم ينطق به كتاب سماوي ولا ورد فيه نص نبوي أو بما يوهم معنى فاسداً، وإن كان له محمل شرعي كما في قول أهل البدو يا أبا المكارم يا أبيض الوجه فإن أبا المكارم وإن كان عبارة عن المستجمع لصفات الكمال إلا أنه يوهم معنى لا يصح في شأنه تعالى، وكذا
٢٨٤
أبيض الوجه وإن كان عبارة عن تقدس ذاته عن النقائص المكدرة إلا أنه يوهم معنى فاسداً، فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك وبأسمائه ما أطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا أسماؤه حقيقة وإما بأن يعدلوا عن تسميته تعالى ببعض أسمائه الكريمة كما قالوا وما الرحمن ما تعرف سوى رحمان اليمامة.
فالمراد بالترك الاجتناب أيضاً، وبالأسماء أسماؤه تعالى حقيقة فالمعنى سموه تعالى بجميع الأسماء الحسنى واجتنبوا إخراج بعضها من البعض.
روي أن رجلاً من الصحابة دعا الله تعالى في صلاته باسم الله وباسم الرحمن فقال رجل من المشركين أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا الرجل يدعو ربين اثنين فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "ادعوا الله أو ادعوا الرحمن" رغماً لأنوف المشركين فإن تعدد الاسم لا يستلزم تعدد المسمى
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي : اجتنبوا إلحادهم كيلا يصيبكم ما أصابهم فإنه سينزل بهم عقوبة إلحادهم فقوله :﴿وَذَرُوا الَّذِينَ﴾ إلخ معناه واتركوا تسمية الزائغين فيها بتقدير المضاف إذ لا معنى لترك نفس الملحدين.
وقال بعض العلماء : المراد بالأسماء الحسنى الصفات العلى فإن لفظ الاسم قد يطلق على ما يسمونه الذات من صفاتها العظام يقال طار اسمه في الآفاق أي انتشرت صفته ونعته فكأنه قيل ولله الأوصاف.