قال في "التأويلات النجمية" :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ يشير إلى أن اسم الله له بمثابة اسم العلم للخلق وهو اسم ذاته تبارك وتعالى والباقي من الأسماء هو أسماء الصفات لأنه قال ولله الأسماء الحسنى فأضاف الأسماء إلى اسم الله وأسماؤه كلها مشتقة من صفاته إلا اسم الله فإنه غير مشتق عندنا وعند الأكثرين لأنه اسم الذات فكما أن ذاته تعالى غير مخلوق من شيء كذلك اسمه غير مشتق من شيء فإن الأشياء مخلوقة فأسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق ؛ لأن صفات الذات كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والإرادة والبقاء قديمة غير مخلوقة، وصفات الفعل مخلوقة تضاف إليه عند الإيجاد فلما أوجد الخلق وأعطاهم الرزق سمي خالقاً ورازقاً إلا أنه تعالى كان في الأزل قادراً على الخالقية والرازقية فقوله، ولله الأسماء الحسنى، أي : الصفات الحسنى.
﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أي : فادعوا الله بكل اسم مشتق من صفة من صفاته بأن تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة فالاتصاف بها بالأعمال والنيات الصالحة كصفة الخالقية، فإن الاتصاف بها بأن تكون مناكحته للتوالد والتناسل بخلاف الخالق كما قيل لحكيم وهو يواقع زوجته ما تعمل قال : إن تم فإنسان.
والاتصاف بصفة الرازقية بأن ينفق ما رزقه الله على المحتاجين ولا يدخر منه شيئاً وعلى هذا فقس البواقي.
وأما التخلق بها فبالأحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سوى الله والتوجه إليه ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله :"كنت له سمعاً وبصراً فبي يسمع وبي يبصر" ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَاءِهِ﴾ أي : يميلون في صفاته أي لا يتصفون بها وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه أيضاً من الإلحاد كما يسمونه الفلاسفة بالعلة الأولى والموجب بالذات يعنون به أنه تعالى غير مختار في فعله وخلقه وإيجاده تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ومن وصفه تعالى بوصف أو بصفة لم يرد بها النص فأيضاً إلحاد
٢٨٥
﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ يعني : سيجزون الخذلان ليعملوا بالطبع والهوى ما كانوا يعملون بالإلحاد في الأسماء والصفات انتهى كلام "التأويلات" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
يده شود باى هركس عملش
قال الحافظ :
دهقان سالخورده ه خوش كفت باسر
اى نور شم من بجزاز كشته ندروى
﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ﴾ اعلم أن الله تعالى كما جعل من قوم موسى أئمة هادين مهديين كما قال :﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يَعْدِلُونَ﴾ (الأعراف : ١٥٩) جعل من هذه الأمة المرحومة أيضاً كذلك فقال : وممن خلقنا ومحل الظرف الرفع على أنه مبتدأ إما باعتبار مضمونه أو تقدير الموصوف وما بعده خبره، أي : وبعض ما خلقنا أو وبعض ممن خلقنا.
﴿أُمَّةٍ﴾ أي : طائفة كثيرة ﴿يَهْدُونَ﴾ الناس ملتبسين ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي : محقين أو يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة.
﴿وَبِهِ﴾ أي : وبالحق ﴿يَعْدِلُونَ﴾ أي : يحكمون في الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها.
وعنه عليه الصلاة والسلام :"إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى" والمراد لا يخلو الزمان منهم، وفي الحديث :"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
قال الشيخ الكبير صدر الدين القنوي قدس سره : أكده بالتكرار ولا شك أن لا يذكر الله ذكراً حقيقياً وخصوصاً بهذا الاسم الأعظم الجامع المنعوت بجميع الأسماء إلا الذي يعرف الحق بالمعرفة التامة، وأتم الخلق معرفة بالله في كل عصر خليفة الله وهو كامل ذلك العصر فكأن يقول صلى الله عليه وسلّم لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل وهو المشار إليه بأنه العمد المعنوي الماسك وإن شئت.
قلت : الممسك لأجله فإذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم ونشرت الصحف وسيرت الجبال وزلزلت الأرض وجاءت القيامة انتهى كلامه في "الفكوك".
ورووا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إنفي الأرض ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم، وله أربعون قلوبهم على قلب موسى، وله سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم، وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل، وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل، وله واحد قلبه على قلب إسرافيل، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة، أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة يدفع الله بهم البلاء عن هذه الأمة" والواحد المذكور في هذا الحديث هو القطب وهو الغوث ومكانه ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠


الصفحة التالية
Icon