تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كفت
﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ الإملاء : إطالة مدة أحدهم بإبقائه على ما هو عليه وعدم الاستعجال في مؤاخذته.
قال المولى أبو السعود : عطف على سنستدرجهم غير داخل في حكم السين لما أن الإملاء وهو عبارة عن الإمهال والإطالة وليس من الأمور التدريجية كالاستدراج الحاصل في نفسه شيئاً فشيئاً بل هو فعل يحصل دفعة، وإنما الحاصل بطريق التدريج آثاره وأحكامه لا نفسه كما يلوّح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير.
﴿إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾ أي : إن أخذي شديد وإنما سماه كيداً لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨
قال سعدي لبى المفتي : الأولى أن يقول : سماه كيداً لنزوله بهم من حيث لا يشعرون، والكيد : الأخذ بخفية.
وقال الحدادي : الكيد هو الإضرار بالشيء من حيث لا يشعر به.
قال في "الحكم العطائية" خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجاً لك قال الله تعالى :﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾.
قال سهل رضي الله عنه في معنى هذه الآية : نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فإذا ركنوا إلى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا.
وقال أبو العباس بن عطاء : يعني : كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة، وأنسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة.
وقال الشيخ أبو القاسم القشيري رحمه الله : الاستدراج تواتر المنة بغير خوف الفتنة الاستدراج انتشار الذكر دون خوف المكر، الاستدراج : التمكن من المنية والصرف عن البغية.
الاستدراج تعليل برجاء وتأميل بغير وفاء، الاستدراج : ظاهر مضبوط وسر بالأغيار منوط انتهى.
ومن وجوه الاستدراج أن يجهل المريد بنفسه وبحق ربه فيسيء الأدب بإظهار دعوى أو تورط في بلوى فتؤخر العقوبة عنه إمهالاً له فيظنه إهمالاً فيقول لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن من قطع المدد عنه من حيث لا يشعر إلا منع المزيد لكان قطعاً لأن من لم يكن في زيادة فهو في نقصان.
وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه
٢٨٨
يوصي بعض أصحابه ويقول : خف من سطوة العدل وارج رقة الفضل، ولا تأمن مكره ولو أدخلك الجنة وقع لأبيك آدم ما وقع.
فإن قلت : ما الحكمة في إمهال الله العصاة في الدنيا؟.
قلت : ليرى العباد أن العفو والإحسان أحب إليه من الأخذ والانتقام، وليعلموا شفقته وبره وكرمه وأن رحمته سبقت غضبه وإمهاله تعالى من أخلاق كرمه وجوده.
وقيل يمهل من يشاء حكمة ليأخذ الظالم أخذ عزيز مقتدر ويعجل عقوبة من يشاء رحمة منه وتخفيفاً بالنسبة إلى عذاب الآخرة.
فعلى العاقل أن يخاف من المكر الإلهي ويرى الفقر والانكسار نعمة وإكراماً فإن الله تعالى يحب الفقراء وهو عند المنكسرة قلوبهم، وحال الدنيا ليس على القرار تسلب كما تهب وتهب كما تسلب.
ونعم ما قيل :
زمانه به نيك وبد آبستن است
ستاره كهى دوست وكه دشمن است
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ﴾.
روي أنه عليه الصلاة والسلام كان كثيراً ما يحذر قريشاً عقوبة الله تعالى ووقائعه النازلة في الأمم الماضية فقام ليلاً على الصفا وجعل يدعوهم إلى عبادة الله تعالى قبيلة قبيلة يا بني فلان يا بني فلان إلى الصباح يحذرهم بأس الله فقال قائليهم : إن صاحبكم هذا يعني محمداً صلى الله عليه وسلّم لمجنون بات يهوت إلى الصباح فنزلت.
والهمزة للإنكار والتعجب والتوبيخ، والواو للعطف على مقدر وما إما استفهامية إنكارية في محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم، وأما نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من أفعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار والجنة بناء نوع من الجنون ودخول من يدل على أنه ليس به نوع من أنواع الجنون.
والمعنى : أكذبوا بالآيات ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائن بصاحبهم؟ أو في أنه ليس بصاحبهم شيء من جنة حتى يؤديهم التفكر في ذلك إلى الوقوف على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من الإيذان بأن طول مصاحبتهم له عليه السلام مما يطلعهم على نزاهته عليه السلام عن شائبة الجنة وقد كانوا يسمونه قبل إظهار النبوة محمداً الأمين صلى الله عليه وسلّم ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي : ما هو عليه السلام.
﴿إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي : مبالغ في الإنذار مظهر له غاية الإظهار إبرازاً لكمال الرأفة ومبالغة في الأعذار.
﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا﴾ الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر أي أكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال ﴿فِى مَلَكُوتِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ فيما تدل عليه السموات والأرض من عظم الملك وكمال القدرة فيعلموا أنه لم يخلقهما عبثاً ولم يترك عباده سدى.