قال بعضهم : ملكوت السموات النجوم والشمس والقمر وملكوت الأرض البحور والجبال والشجر والملكوت الملك العظيم من الملك كالرهبوت من الرهب زيدت التاء للمبالغة يقال له ملكوت العراق، أي : الملك الأعظم متعلق.
به ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ﴾ عطف على ملكوت، أي : وفيما خلق الله.
﴿مِن شَىْءٍ﴾ بيان لما خلق مفيد لعدم اختصاص الدلالة المذكورة بجلائل المصنوعات دون دقائقها أي من جليل ودقيق مما يقع عليه اسم الشيء
٢٨٩
من الأجناس التي لا يمكن حصرها، أي أن كل فرد فرد من الموجودات محل للنظر والاعتبار والاستدلال على الصانع ووحدانيته كما قيل :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨
وفي كل شيء له آية
تدل على إنه واحد ﴿وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾ عطف على ملكوت وأن مخففة من أن واسمها ضمير الشان والخبر قد اقترب أجلهم.
والمعنى : أو لم ينظروا في أن الشان عسى أن يكون الشأن قد اقترب أجلهم لعلهم يموتون عن قريب فما لهم لا يسارعون إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مجيء الموت ونزول العذاب.
زان يش كأجل فرا رسد تنك
وأيام عنان ستاند ازنك
برمركب فكر خويش نه زين
مردانه در آى درره دين
﴿فَبِأَىِّ حَدِيث﴾ هو في اللغة الجديد، وفي عرف العامة الكلام ﴿بَعْدِهِ﴾ أي : بعد القرآن ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية في البيان وليس بعده كتاب منزل ولا نبي مرسل وهو قطع لاحتمال إيمانهم ونفي له بالكلية والباء متعلقة بيؤمنون.
﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ (هركرا كمراه كرداند خداى تعالى وبقرآن نكرود) ﴿فَلا هَادِيَ لَهُ﴾ (س هي راه نماينده نيست كه اورابراه آرد) ﴿وَيَذَرُهُمْ﴾ بالياء والرفع على الاستئناف، أي وهو تعالى يتركهم.
﴿فِي طُغْيَـانِهِمْ﴾ في مجاوزتهم الحد في كفرهم.
﴿يَعْمَهُونَ﴾ حال من مفعول يذرهم أي حال كونهم مترددين ومتحيرين في "القاموس" العمه محركة التردد في الضلال والتحير في منازعة أو طريق أو أن لا يعرف الحجة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨
وفي الآية حث على التفكر ودلالة على أن العاقل لو تفكر بالعقل السليم من آفات الوهم والخيال والتقليد والهوى في حال النبي صلى الله عليه وسلّم وأخلاقه وسيره فضلاً عن معجزاته لتحقق عنده أنه النبي الصادق وأن ما يدعوه إليه كله حق وصدق وإنه لينجو بهذا التفكر من النار كما أخبر الله تعالى عن حال أهل النار بقوله :﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـابِ السَّعِيرِ﴾ (الملك : ١٠) وفي قوله تعالى :﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا﴾ إلخ إشارة إلى أن المكونات على نوعين نوع منها ما خلق من غير شيء وهو الملكوت الذي هو باطن الكون والكون به قائم وهو قائم بيد القدرة كقوله تعالى :﴿فَسُبْحَـانَ الَّذِى بِيَدِه مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ (يس : ٨٣) ونوع منها ما خلق من شيء وهو الملك الذي هو ظاهر الكون فكما أن النظر إلى الملك بحسن البصر فالنظر إلى الملكوت بالعقل والقلب فنظر أرباب العقول فيه يفيد رؤية الآيات والاستدلال بها على معرفة الخالق وإثبات الصانع ونظر أصحاب القلوب فيه يفيد شهود شواهد الغيب بالولوج ليصير إيمانه إيقاناً بل عياناً كقوله :﴿وَكَذَالِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام : ٧٥) وهذه الإراءة سنة إلهية قديمة للحق سبحانه يري بها كل من جعله نبياً أو ولياً ناسوت العالم وملكوته وجبروته ولاهوته سواء كان عالماً صغيراً أو عالماً كبيراً ولا تزال تلك السنة باقية إلى يوم القيامة ما دام لم ينقطع السير والسلوك إلى الحق سبحانه فلولاها لنوع الإنسان لكان كسائر الحيوان إلا أن الله الرحمن منّ بها على نوع الإنسان وسار وسلك بها من شاء من أهل عنايته إلى قبل الملك المنان حتى ترقى عن جميع الأكوان ونال
٢٩٠