الشهود والعيان ووصل إلى الحق المحسان وأتاه كمال الإيقان وتمام الإحسان ثم جاء نبياً أو ولياً لإرشاد الإخوان فقام بالحكمة والبيان وبين الإسلام والإيمان ودعا إلى الله الحليم الجنان وبشر بالجنان وأنذر بالنيران فمن أجاب نال اللطف والإحسان ومن لم يجب خسر خسراناً مبيناً وقال عليه الصلاة والسلام عن عيسى "لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين" فالولوج لأصحاب القلوب والمشاهدة والنظر لأرباب العقول والاستدلال كذا في "التأويلات النجمية" مع مزج من كلام شيخنا العلامة أحياه الله بالسلامة (روزى إمام أبي حنيفة رحمه الله در مسجد نشسته بود جماعتي ازد زنادقه در آمدند وقصد هلاك أو كردند إمام كفت يك سؤال را جواب دهيد بعد ازان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسأله يست كفت من سفينه ديدم ربار كران برورى دريا روان بى آنكه هي ملاحى محافظت ميكرد كفتند اين محالست زيراكه كشتى بى ملاح بريك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان الله سبر جمله أفلاك وكاكب ونظام عالم علوي وسفلي ازسيريك سفينه عجبترست همه ساكت كشمد واكثر مسلمان شدند) قال الحافظ الشيرازي :
در حشمت سليمان هركس كه شك نمايد
برعقل ودانش اوخندند مرغ وماهى
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿يَسْـاَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ أي : عن القيامة وهي من الأسماء الغالبة فيها كالنجم في الثريا، وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة أو لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضي في ساعة يسيرة ؛ لأنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن، أو لأنها على طولها عند الله تعالى كساعة من الساعة عند الخلق وأصلها ساعة قيام الناس من الأجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الإضافة.
روي أن قوماً من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً فإنا نعلم متى هي وكان ذلك امتحاناً منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت ﴿أَيَّانَ مُرْسَـاـاهَا﴾ أيان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على أنه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر أي متى إرساؤها أي إثباتها وتقريرها فإنه مصدر ميمي من أرساه إذا أثبته وأقره ولا يكاد يستعمل إلا في الشيء الثقيل، كما في قوله تعالى :﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَـاـاهَا﴾ (النازعات : ٣٢) ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالإرساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فإنها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط، كأنه قيل : يسألونك عن الساعة عن أيان مرسيها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا﴾ لم يقل إنما علم وقت إرسائها لأن المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها في وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلاً لها، ولذلك أضاف العلم المطلوب بالسؤال إلى ضميرها.
﴿عِندَ رَبِّى﴾ خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.
﴿لا يُجَلِّيهَا﴾ أي : لا يظهر أمرها من التجلية وهو إظهار الشيء والتجلي ظهوره ﴿لِوَقْتِهَآ﴾ أي : في وقتها فاللام للتأقيت كاللام في قوله :﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ (الإسراء : ٧٨) ﴿إِلا هُوَ﴾ والمعنى إنه تعالى يخفيها على غيره إخفاء مستمراً إلى وقت وقوعها ولا يظهرها إلا في ذلك الوقت الذي وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالإخبار عنها لكون إخفائها أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كإخفاء الأجل الخاص الذي هو وقت الموت كتم الله تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعاً إلى التوبة والطاعة في جميع الأوقات فإنه لو علم وقت
٢٩١
قيام الساعة لتقاصر الخلق عنها وأخروها.
وكذلك أخفى ليلة القدر ليجتهد المكلف في العبادة في ليالي الشهر كلها وأخفى ساعة الإجابة من يوم الجمعة ليكون المكلف مجداً في الدعاء في جميع ساعاته ﴿ثَقُلَتْ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ أي : كبرت وشقت على أهلهما من الملائكة والثقلين كل منهم أهمه خفاؤها وخروجها عن دائرة العقول.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩١


الصفحة التالية
Icon