﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ﴾ أيها المشركون ﴿إِلَى الْهُدَى﴾ إلى أن يهدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم ﴿لا يَتَّبِعُوكُمْ﴾ إلى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله ﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ﴾ أيها المشركون ﴿أَدَعَوْتُمُوهُمْ﴾ أي : الأصنام ﴿أَمْ أَنتُمْ صَـامِتُونَ﴾ ساكتون أي مستوي عليكم في عدم الإفادة دعاؤكم لهم وسكوتكم، فإنه لا يتغير حالكم في الحالين كما لا يتغير حالهم بحكم الجمادية ولم يقل أم صمتم لرعاية رؤوس الآي.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي : تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة.
﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أي : مماثلة لكم من حيث إنها مملوكةتعالى مسخرة لأمره عاجزة عن النفع والضر.
وقال الحدادي : سماها عباداً لأنهم صوروها على صورة الإنسان.
﴿فَادْعُوهُمْ﴾ في جلب نفع وكشف ضر.
﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ صيغته صيغة الأمر ومعناه التعجيز ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في زعمكم أنهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿أَلَهُمْ﴾ أي : للأصنام ﴿أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ﴾ حتى يمكن استجابتهم لكم والاستجابة من
٢٩٥
الهياكل الجسمانية إنما تتصور إذا كان لها محرك حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شيء من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة ووصف الأرجل بالمشي بها للإيذان بأن مدار الإنكار هو الوصف.
﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ﴾ أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والبطش الأخذ بقوة.
والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أخذه وبل للإضراب المفيد للانتقال من فن من التبكيت بعد تمامه إلى فن آخر منه ﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ قدم المشي لأنه حالهم في أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة إلى الغير.
وأما تقديمه على قوله :﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ﴾ إلخ مع أن الكل سواء في أنها من أحوالهم بالنسبة إلى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل.
وأما تقديم الأعين فلما أنها أشهر من الآذان وأظهر عيناً وأثراً ثم إن الكفار كانوا يخوفونه عليه السلام بآلهتهم قائلين نخاف أن يصيبكم بعض آلهتنا بسوء فقال الله تعالى :﴿قُلِ ادْعُوا﴾ أيها المشركون ﴿شُرَكَآءَكُمُ﴾ واستعينوا بهم في عدواتي ﴿ثُمَّ كِيدُونِ﴾ فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر، وهي أنتم وشركاؤكم فالخطاب في كيدون للأصنام وعبدتها ﴿فَلا تُنظِرُونِ﴾ فلا تمهلون ساعة فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية الله وحفظه.
اكر هر دو جهانم خصم كردند
نترسم ون نكهبا نم تو باشى
﴿إِنَّ وَلِـاِّىَ اللَّهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَـابَ﴾ تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهاماً جلياً قوله :﴿وَلِـاِّىَ﴾ بثلاث ياءات.
الأولى فاء فعيل وهي ساكنة.
والثانية لام الفعل وهي مكسورة أدغمت فيها الياء الأولى.
والثالثة ياء الإضافة وهي مفتوحة.
والولي هنا بمعنى الناصر والحافظ أضيف إلى ياء المتكلم.
والمعنى أن الذي يتولى نصرتي وحفظي هو الذي أكرمني بتنزيل القرآن وإيحائه إليّ وإيحاء الكتاب إليه يستلزم رسالته لا محالة ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّـالِحِينَ﴾ أي : ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده وينصرهم لا يخذلهم فضلاً عن أنبيائه ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ يا عبدة الأصنام ﴿مِن دُونِهِ﴾ أي : متجاوزين الله تعالى ودعاءه ومضمون هذه الآية ذكر أوّلاً لتقريع عبدة الأصنام وذكر ههنا إتماماً لتعليل عدم مبالاته بهم فلا تكرار ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ في أمر من الأمور ﴿وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾ إذا نابتهم ناثبة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ﴾ أي : الأصنام ﴿إِلَى الْهُدَى﴾ إلى أن يهدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم من الكيد وغيره ﴿لا يَسْمَعُوا﴾ أي : دعاءم فضلاً عن المساعدة والإمداد وهذا بخلاف التوجه إلى روحانية الأنبياء والأولياء وإن كانوا مخلوقين فإن الاستمداد منهم والتوسل بهم والانتساب إليهم من حيث إنهم مظاهر الحق ومجالي أنواره ومرائي كمالاته وشفعاؤه في الأمور الظاهرة والباطنة له غايات جليلة وليس ذلك بشرك أصلاً بل هو عين التوحيد ومطالعة الأنوار من مطالعها ومكاشفة الأسرار من مصاحفها.
قال الصائب :
مشو بمرك زامداد اهل دل نوميد
كه خواب مردم آكاه عين بيداريست
الرؤية بصرية والخطاب لكل واحد من المشركين، أي : وترى الأصنام أيها الرائي رأى العين.
﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ حال من المفعول أي يشبهون الناظرين إليك ويخيل إليك أنهم يبصرونك لما إنهم صنعوا لها أعيناً مركبة بالجواهر المضيئة المتلالئة وصوروها تصوير من
٢٩٦